خير أمة أخرجت للناس!

أمة حكام بلدانها لا يتقنون سوى فن الفساد والنهب والقمع، بلاد علمها علم بلا نفع، وغذائها تستفيد منه بلدان أخرى، وشعوبها تموت جوعاً. بلاد شعوبها تساق كالأغنام، شعب يدفع الكثير مقابل الحصول على لا شيء سوى بطاقة هوية، بطاقة انتماء، الغرض الوحيد منها هو تذكيرك أنك ما زلت هنا

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/20 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/20 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش

يقولون إن أول شيء يجب فعله لتجاوز مشكلة ما هو الاعتراف بوجود مشكلة، فكيف لأمتنا العربية تجاوز حالتها ونحن ما زلنا نؤمن أننا خير أمة أخرجت للناس؟ نحن أمة تعيش حرفياً حالة من الضياع التي لا يمكن تجاوزها إلا بتغيير جذري لمفاهيم ومعتقدات كانت وما زالت تشكل ترسبات في العقل العربي.

أول سؤال يجب طرحه هو: بأي حقٍّ نحن خير أمة أخرجت للناس؟ ونحن أمة صماء، عرجاء، يشكل سياساتها قوى خارجية، وتتمايل على أهوائها كيفما مالت، أمة شبابها اليوم شغله الشاغل كرة القدم، وسقوط فستان هيفاء وهبي، أمة انتقلت من أكثر أمة نشراً للعلوم إلى أكثر أمة زيارة للمواقع الإباحية.

أمة حكام بلدانها لا يتقنون سوى فن الفساد والنهب والقمع، بلاد علمها علم بلا نفع، وغذائها تستفيد منه بلدان أخرى، وشعوبها تموت جوعاً. بلاد شعوبها تساق كالأغنام، شعب يدفع الكثير مقابل الحصول على لا شيء سوى بطاقة هوية، بطاقة انتماء، الغرض الوحيد منها هو تذكيرك أنك ما زلت هنا، ما زلت مواطناً عربياً عليك واجبات ولك واجبات يجب القيام بها، ليس هنالك حقوق طبعاً، فالحقوق للشعوب التحتية التي لم تخلق لتكون خير أمة أخرجت للناس، لكن بما أنك في خير بلاد الأرض فإنه يجب أن تحمد الرحمن على ذلك.

سوريا، اليمن، العراق، مصر، ليبيا وغيرها من بلداننا الطيبة، أصرت على أن تبرهن لنا أننا خير أمة أخرجت للأرض، حروب ودماء على مرِّ السنين، جعلت منا أمة تخاف منها الأمم، أمة تسعى كل الأرض أن تغلق حدودها في وجهها، أصبحنا مجرد مصدر للخراب والمشاكل. جعلنا من أنفسنا موضوعاً أساسياً في أي انتخابات أو حوار سياسي. أصبح حالنا كتلك العاهرة التي يخاف كل سكان الحي أن يشركوها في حديثهم، أو أن تلاعب أبناءهم.

هل ما زالت هناك قيمة لأمتنا بين الأمم الأخرى، طبعاً هناك، فنحن نحمل تحت رجلينا كنزاً ما زال يضعنا بين أكثر الدول استغلالاً في العالم، الكل يبحث عن رضا حكامنا ليفوز بأكبر قدر من نفطنا، من غازنا، من الكنز الذي نحمله تحت أرضنا. أصبحنا مجرد مزرعة كبيرة لها حارس غني وتحتوي على جل خيرات الأرض. أن تجد أغنى أمة بالثروات الطبيعية يعيش شعبها في الفقر والجوع والجهل، فتأكد أن الخلل ليس في الأرض، بل هو فيمن فوق الأرض. مشكلتنا في أنفسنا.

وخير دليل على أن حالنا من صنع أيدينا هو حال بعض الدول المجاورة. فرغم فقر مواردها تعيش في حالة يمكن أن نطلق عليها أنها من خير الأمم التي أخرجت للناس: تركيا، ماليزيا، سنغافورة أمثلة فقط لما يمكنه العقل المسلم أن ينجزه. وحتى في أمتنا العربية هناك من استطاع أن يحفر عميقاً ليحفز المورد البشري على العمل والاجتهاد. والإمارات العربية المتحدة خير دليل على ذلك رغم التحفظات على الطريقة، إلا أن هذه الدولة استطاعت أن تضيء رغم المحيط المظلم الكئيب. التطور لا يأتي عبر خطب الجوامع أو فتاوى الدعاة. التغيير لن يأتي إلا بتغيير للعقليات العربية، بالعمل على تجاوز حدود عقلنا المكبل بالعديد من الخرافات والمسلمات المجتمعية.

مشكلتنا في حكامنا، طبعاً هم أيضاً مشكلة، لكن حكامنا هم مِن صنع أيدينا، نحن من قدسناهم ووضعناهم في صورة الجلالة، نحن من وضعهم في صورة المنقذ البطل حامي حمى ديننا وملة أمتنا، من المسلمات التي تنخر عقلنا العربي أن حكامنا هم من صنع الإله، الله اختارهم لحكم هذا الشعب العنيد الذي من الصعب أن تجد من يصبر على حكمه، بينما هو مجرد شخص فهم اللعبة مبكراً واستغل جهلنا وجاهليتنا.

نحن ليس خير أمة أخرجت للناس، ولن نكون كذلك قريباً، لكن من الممكن أن نكون من خيرها، إن نحن قاتلنا فكرنا الراكد، إن استخدمنا عقولنا بشكل يجعلها تخدم مستقبلنا، إن حطَّمنا أصناماً كانت وما زالت تعيش على جهلنا وتقتات على ضعفنا الفكري، لا خوف علينا من التفكير الحر المستقل، فهو طريقتنا الوحيدة لفهم واقعنا ومحاولة إيجاد المشاكل، والعمل على إيجاد حلول واقعية لها. قد لا يكون ذلك كافياً لتغيير واقع أمة، لكنه طبعاً سيكون قادراً على تغيير واقعك وواقع محيطك.

التغيير الفردي هو الحل اللازم المفروض علينا الآن، وذلك التغيير لا بد أن يجد صداه في العالم، حتى ديننا حثَّ على تغيير النفس أولاً، فتغيير النفس هو أول خطوة للإصلاح، قد يكون إصلاحاً أنانياً، لكنه الخطوة الأولى، الخطوة التي قد تصنع فارقاً في المستقبل، فقط فلنبحث عن الأفكار، الأفكار التي قد تصنع منا أمة تستحق لقب: "خير أمة".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد