جناية التنظيم الدولي على الإخوان المسلمين

هكذا أصبح على الناشط المنتمي إلى أحد فروع الإخوان أن يدافع عن تجارب متباينة؛ فقد يدافع عن تنظيم إخواني مقاوم في بلد معين ويسوغ تنسيق آخر مع الاحتلال في بلد ثانٍ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/20 الساعة 04:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/20 الساعة 04:39 بتوقيت غرينتش

مثل كثير من التنظيمات العربية وحتى العالمية التي عاصرها، فقد كان تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين رد فعل طبيعي على متغيرات عصره وتعبيراً رافضاً لواقع سعت القوى الاستعمارية العظمى لترسيخه بخصوص شكل العالم الذي تريده، والذي بلغ حد العبث بالحدود وتشكيل كيانات جديدة على مقاس مصالحها.

من هنا، كان مفهوماً أن تظهر تعبيرات متجاوِزة للحدود المرسومة حديثاً مستندةً إلى منطق تاريخي أو قومي أو ديني أو حتى أممي.. وهكذا، فقد كانت دعوة الإخوان المسلمين واحدة من تلك التعبيرات التي لاقت صدىً واسعاً والتي تمددت في جل الدول العربية والإسلامية في ظرف قياسي.

غير أن الأمر الواقع بدأ يفرض ذاته مع مرور الوقت ليترسخ الوضع الجديد تحت تأثير السلطة بأدواتها القهرية والإكراهات التي يخلقها الاجتماع البشري في مكان معين حتى لو كان قسرياً وطارئاً، الشيء الذي وضع التنظيمات العابرة للحدود على محكّ محافظتها على قناعاتها دون التشكيك في وطنيتها.

في حالة جماعة الإخوان المسلمين، كان الأمر أشد بالنظر لقوتها وشعبيتها الكبيرة، وموقعها المعارض الذي حتَّم على مساحة اشتباكها مع خصومها من أنظمة مختلفة أو مع فرقاء سياسيين كثيرين أن تتسع، وهو ما زاد من منسوب التحريض عليها؛ ليتحول حضورها الوازن في أقطار عديدة من نقطة قوة لصالحها تثبت حيويتها إلى نقطة ضعف تُستغل في اتجاه التأليب عليها وعلى مشروعها.

أمام هذا الواقع المركب، أصبح لزاماً على الجماعة أن تعيد تقييم أداء بعض مؤسساتها وطريقة تعاطيها مع عدد من الملفات، ليس بالضرورة استجابةً للضغوط التي تتعرض لها من جهات، ندرك أن إرضاءها من سابع المستحيلات، وليس في اتجاه التنازل عن مبادئها الكبرى التي من دونها ستفقد المغزى من وجودها، ولكن في إطار البحث عن الجدوى من بعض الأدوات، التي أصبحت باعترافها فاقدةً لأي دور وتُسبب لها الإحراج المجاني، مثل فكرة المرشد الأوحد والتنظيم الدولي.

مشكلة التنظيم الدولي أن بناءه لم يكن سليماً منذ البدايات، حيث كان الحرص على التوسع الجغرافي يغلب على حسن انتقاء الأفراد الذين سيمثلون الجماعة في أقطارهم والذين كانوا يفتقرون إلى تصور منضبط يؤطر عملهم، الشيء الذي أدى إلى تباين في المواقف وصل حد التناقض أحياناً.

والذي يزيد من تفاقم الأمر، هو إصرار الإخوان على أن يكون لهم حضور في أية ساحة حتى لو سبق الوجود فيها لعمل إسلامي من خارج المدرسة الإخوانية؛ ما يضطرها إلى التعامل مع مجموعات صغيرة تبحث عن شرعية خارجية بعد أن عجزت عن فرض نفسها في مجتمعها، وهذه التشكيلات أضرت بصورة التيار الإسلامي وأساءت إليه بمغامراتها غير المحسوبة.

كذلك، فقد كانت طبيعة العلاقة التي تربط الفروع مع المركز وبعضها مع بعض غير واضحة، فإن كان البناء ينحو باتجاه تأسيس علاقة عضوية تجمع بين التنظيم ككل، فإن الواقع اتجه عكس ذلك، حيث أصبحت الفروع تتمتع باستقلالية تامة في قراراتها ومواقفها، بخلاف مزاعم خصوم الجماعة الذين يصرون على وجود علاقة تبعية للمركز، ولا يتسع المقام هنا لتعداد الحالات التي شذ فيها أحد فروع الجماعة عن مواقف جل التنظيمات الإخوانية.

على أن هذا الاختلاف لم يمنع من التبرير السلبي لكل موقف اتخذه أي تنظيم محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وهكذا أصبح على الناشط المنتمي إلى أحد فروع الإخوان أن يدافع عن تجارب متباينة؛ فقد يدافع عن تنظيم إخواني مقاوم في بلد معين ويسوغ تنسيق آخر مع الاحتلال في بلد ثانٍ.

أو قد يكبر صمود إخوانه في وجه بطش أحد الأنظمة الاستبدادية، لكنه أيضاً يزكي تنازلات مجموعات أخرى ويراها عين الحكمة، كل هذا دون أن يحس بأي تناقض، حتى أصبحنا أمام صورة مقلوبة هي أسوأ من الإملاءات الفوقية للفروع، التي إن وُجدت فستحفظ على الأقل شيئاً من الانسجام في السلوك الإخواني.

المحصلة أن هذا الوضع بات مربِكاً للجماعة، في ظل إبقائها على بعض الهياكل، فحتى لو كانت شكلية فإنها تبقى ذات إلزام معنوي للأنصار؛ ما يشكل عبئاً عليهم ويحمّلهم تبعات أخطاء لم يكن لهم أي يد فيها، لذا ينبغي العمل على فك الارتباط بين سائر التنظيمات الإخوانية دون أن يعني ذلك النزوعَ نحو الانعزالية والتقوقع حول الذات القطرية، مثلما يدعو البعض، لا سيما أن اهتمامهم بقضايا الأمة ونصرتها في أي مكان لا يستلزم الارتباط الخارجي، فكم من الحركات غير الإخوانية هي أكثر نشاطاً من تلك المحسوبة على الجماعة الأم في هذا الباب.

ما ستستفيد منه تنظيمات الإخوان المسلمين إن تم إنهاء الارتباط، أنها ستشتغل بشكل أكثر أريحية في واقع بلدها وتحافظ على مبادئها الوحدوية العامة مع الأمة بما يجعلها تنفتح على عموم التيار الإسلامي، لتخرج من تكتلها السابق الذي أضحى أشبه بالتكتل القَبلي الذي يجمع أفكاراً متضاربة وأطيافاً غير متناسقة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد