يتحدث الكثيرون من المحللين السياسيين والصحفيين المغاربة عن وقوع خصام بين المؤسسة الملكية و"إخوان بنكيران" بعد انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول البرلمانية، التي أفرزت "بلوكاج حكومي" استمر ما يزيد عن 6 أشهر، ويبدو أن حكومة "بنكيران" هي الأولى من نوعها في تاريخ الحكومات المتعاقبة التي شهدت تعثراً بهذا الشكل، منذ أول حكومة في تاريخ المغرب التي ترأسها مبارك البكاي لهبيل في 7 ديسمبر/كانون الأول 1955.
في المغرب، هناك تحليلات للمشهد السياسي من طرف نخبته السياسية، تبدو هي مشكل أكبر من الإشكاليات السياسية والأزمات التي تمر بها البلاد، هناك دائماً أفكار تطرح تضرب العمود الفقري للبلاد وأخرى تخدم أصحاب المصلحة بينما يعتقد أهل هذه الأفكار أنها تصحح العمود الفقري للبلاد وتطرد البراغماتيين.
1 – منذ بدايات عام 2011 تتحدث الصحف الإخبارية ويتحدث السياسيون والصحفيون المغاربة عن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، كونه ظاهرة استثنائية في المغرب، ورجلاً فريداً من نوعه يُقاوم "التحكم" الذي تُمارسه المؤسسة الملكية، ومع اقتراب نهاية ولاية بنكيران، أي بعد 5 سنوات، بدأت ذات الشريحة تتحدث عن شيء اسمه "الإخوان المسلمون" في المغرب وأفرز ذلك انقساماً جديداً في النقاش السياسي؛ حيث يقول البعض من الشريحة المنقسمة: "لا وجود لتيار الإخوان المسلمين في المغرب"، وإن عقيدة حزب العدالة والتنمية هي "عقيدة مخزنية" لا تستمد مرجعيتها من "السيد قطب" ولا "حسن البنا".
2 – يجري في المغرب بعزم وبثبات تصوير عبد الإله بنكيران بكونه أيقونة الحزب، على وزن عبد الكريم الخطيب وصراعه مع القصر، ثم إلى واجهة بارزة في الحزب، بينما يبدو هذا الطرح يُزكي عبد الإله بنكيران بكونه صندوق أفكار حزب العدالة والتنمية، بينما عبد الإله، رجل بسيط معرفياً وقيادياً وكاريزمياً، بل يبدو "طائشاً" أحياناً كغيره من الزعماء السياسيين المغاربة، الذين اشتهروا بسِمَة الانتقال من اليسار إلى اليمين، أو العكس، بسرعة الضوء، فقد كان بنكيران، في بدايات نضوجه السياسي، مقرباً من حزب الاستقلال المحافظ، ثم انتقل إلى التقرب من الحركات اليسارية، وختم جولته بـ"التنظيم السياسي الإسلامي"، وفي زمنه هذا كان عبد الإله يشتغل كأستاذ مدرس لمواد الفيزياء في المدارس العمومية، أي أنه رجل بسيط ولا مزايا فيه تذكَر، غير سيرته الذاتية الجذابة لأهل "الإخوان".
3 – يعتقد البعض أن حزب العدالة والتنمية حزب كسائر الأحزاب المغربية ويحاول من خلال قيادته أن يثبت ذلك، ويتحدث الكثير عن انقسامات تهز قلعة الحزب في الآونة الأخيرة بسبب خلافات مع سعد الدين العثماني، الرئيس الجديد للحكومة، بينما ما يجري ما هو إلا تكتيك محكَم من جنود الخفاء للتنظيم الإسلامي الذين يستمدون خططهم من أتباعهم في قطر وإسطنبول والنمسا، وهم الذين يرددون أسطوانة "الحزب الوطني" حتى يتشبثوا بفتات السلطة التي مُنحت لهم أخيراً على وزن المثل المغربي العامي "اللهم العمش ولا العمى".
4 – بعد تفكك تيار جماعة الإخوان في مصر ثم تونس وليبيا، وانحصاره في حرب "الميليشيات" في سوريا، ولجوئه إلى السلاح في سيناء بعد أحداث "رابعة العدوية" لم يعد هناك سبب واحد لدى المؤسسة الملكية في المغرب يدفعها بقبول تيار موازٍ للدولة، حتى لو كان أهله من أبرز الناكرين إلى صفة "الانتماء إلى الإخوان" ولا حتى دعوة إلى مجرد نقاش، أو عقد صفقة صغيرة يكون طرفها الآخر هو قيادة "البجيدي"، ولأسباب ظاهرة جداً، فالسند الدولي الذي لجأ إليه الإخوان تآكل باطراد منذ سقوط ربيعهم، فالإدارة الأميركية تفضل كالعادة سلوكها البراغماتي، وتعترف بحقائق القوة على الأرض، وتميل إلى حفظ ما تبقى من مصالحها.
إذا كان بنكيران أصبح فجأة يُدافع عن المؤسسة الملكية وخصومه السياسيين كالهمة مستشار الملك الذي كان ينتقده سابقاً ثم حميد شباط الذي قال عنه ما لا يُقال في العدو اللدود، ثم تُهاجمها قواعده التي وصفها بكتلة "المداويخ" وتنكر لهم عندما اقتيدوا إلى السجون بتهم "الإشادة بالإرهاب" و"التهديد بالقتل" ثم يقول إن حزبه حزب وطني ملكي ديمقراطي مسالم يُريد مصلحة البلاد، فهو كلام لا يؤخذ على محمل الجد، وأقرب إلى الطرفة المشهورة الموروثة عن مرشد الإخوان الأول حسن البنا، الذي كان يتنصل من أفعال إرهابيي جماعته على طريقة "ليسوا إخواناً، وليسوا مسلمين"،
وهو كلام لم يعد ينطلي على أحد، حتى لو علقت قيادة الإخوان بياناتها المراوغة على قمر المريخ، فلن يصدقهم أحد، إلا إذا توقف الإرهاب الفكري فعلاً لا قولاً، وأن تُجرى مراجعات جدية نهائية لصلب الفكرة الإخوانية الميالة بطبيعتها إلى العنف، وهو تطور مرغوب، لكنه يبدو عسيراً في ظل الذهنية المتكلسة التي تحكم فكر قيادات التنظيم، التي تريد جمع المتناقضات في نفس واحد، وتضحك على ما تبقى من أنصارها بادعاء "ثورية محدثة" لم تكن يوماً من طبع الإخوان، أو بترويج أوهام من نوع "مرسي راجع" و"بنكيران يقاوم"، أو بافتعال ديباجات دينية تسوّغ أفعالهم باسم القصاص، وتدفع شباب الإخوان إلى هاوية التهلكة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.