في “البارد” غرفة واحدة لرجل وزوجته وأولاده التسعة

"الغرفة" التي ينام فيها عادل "اسم مستعار" وعائلته المؤلفة من 11 شخصاً (الزوج والزوجة وبناته الثماني وصبي واحد)، نموذج لمجمّع من غرف حديدية من طابقين تمت تسميتها بالبركسات، ويسكن فيها لاجئون فلسطينيون اضطروا لمغادرة مخيم نهر البارد عام 2007، إثر الاشتباكات بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام، وأدت إلى تدمير المخيم بالكامل، وتهجير ما يقارب 38 ألف لاجئ فلسطيني.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/09 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/09 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش

هذه حكاية ربما تكون من نسج الخيال لمن لم يعايشها ويلتقي ويتحدث ويستمع إلى "أبطالها" وشهودها، ويشاهد بأم عينيه فصولها، لقاء العائلة ومعاينة البركس (مكان السكن) والاطلاع على ما فيه وهو الذي لا يصلح لعيش الآدمي.

"الغرفة" التي ينام فيها عادل "اسم مستعار" وعائلته المؤلفة من 11 شخصاً (الزوج والزوجة وبناته الثماني وصبي واحد)، نموذج لمجمّع من غرف حديدية من طابقين تمت تسميتها بالبركسات، ويسكن فيها لاجئون فلسطينيون اضطروا لمغادرة مخيم نهر البارد عام 2007، إثر الاشتباكات بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام، وأدت إلى تدمير المخيم بالكامل، وتهجير ما يقارب 38 ألف لاجئ فلسطيني.

استأجرت وكالة "الأونروا" الأرض التي بنت عليها البركسات كونها خارج حدود المخيم، على أن تكون إيواء مؤقتاً إلى حين الانتهاء من إعادة إعمار المخيم وعودة الأهالي إلى منازلهم، وهذا عملياً كان من المفترض أن ينتهي في عام 2012، لكن حتى الآن لم يتم إعمار سوى حوالي 60% من المخيم (خمسة رزم غير مكتملة من أصل ثمانية)، ولم يعد سوى 2800 عائلة يمثلون حوالي 45% من الأهالي فضلاً عن وجود ما يزيد على 1200 عائلة لا تزال مهجرة أوقفت عنها "الأونروا" دفع بدل الإيجار المستحق بحجة النقص في التمويل واختلاف الأولويات بالنسبة للمانحين على الرغم من الاتفاق المبرم في مؤتمر فيينا لإعادة إعمار المخيم في يونيو/حزيران 2008 يقضي باستمرار حالة الطوارئ إلى حين الانتهاء من إعادة الإعمار، ويترتب على ذلك الاستمرار في دفع بدل الإيجارات للأهالي المهجّرين.

يسكن في المجمع حالياً ما يقارب 120 عائلة (وهو المجمع الأسوأ حالاً بين أربعة مجمعات مشابهة)، ثلث السكان من المهجرين الفلسطينيين من سوريا انضموا إليهم بعد عام 2012.

رائحة المجاري والصرف الصحي تنتشر في المكان، فهي مكشوفة ليل نهار، ومكان مفتوح لتكاثر الحشرات الزاحفة والطائرة والقوارض من الفئران والجرذان التي أحياناً تهاجم العائلات، لا سيما في أوقات الليل، وجرت حوادث كما روى لنا الأهالي بأن تعرض أطفال من المجمع للعض أدت للنقل إلى المستشفى.

توفر وكالة "الأونروا" خدمات جمع النفايات، والكهرباء حال انقطاع التيار وكذلك مياه الغسل، مع عدم وجود مياه صالحة للشرب؛ إذ يضطر الأهالي لشرائها، لكن فوضى المجمع لا تعد ولا تحصى، وفي المقدمة منها انعدام الأمان في السكن، فضلاً عن مشاكل المجاري والصرف الصحي، أو أعمال الصيانة المنعدمة باستثناء البسيط تقدمه الوكالة، فالبركسات مصنوعة من الحديد، وقد صنعت لتوفر السكن لمدة ثلاث سنوات فقط كحد أقصى، وأسلاك الكهرباء أصبحت قديمة ومكشوفة، وهي تهدد حياة الأهالي لا سيما الأطفال، فالمجمع قريب من البحر ويعلوه الصدأ والاهتراء، وحدث أن سقط أحد الأسقف الحديدية ونجت إحدى العائلات بأعجوبة.

يتحول المجمع إلى كتلة من الحديد الساخن في الصيف بحيث يمضي الأهالي نهارهم في الخارج بانتظار حلول الظلام، وفي المقابل يتحول إلى كتلة من الحديد البارد في الشتاء، بالإضافة إلى تحول الطابق الأسفل إلى بِرَك للمياه التي تختلط فيها مياه الأمطار مع المياه الآسنة؛ إذ لا تصريف مناسب بسبب عدم سلامة المجاري.

لـ"عادل" بركس آخر بجوار الذي ينام فيه وعائلته، حوّله إلى دكان صغير فيه القليل من المواد التي يعتاش من بيعها لعائلات المجمع، ولا يملك رب العائلة كحال بقية العائلات القدرة على استئجار بيت آخر، فمنزله على خريطة إعادة بناء المخيم يقع في الرزمة السادسة وهي التي لم يبدأ الإعمار فيها بعد.

المسؤوليات تجاه المجمع متعددة ومتشابكة، ولكن الذي أدعوه في هذه المقالة، الإسراع في المبادرة والتنسيق والتنافس المحمود بين الجميع؛ الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية، اللجنة الشعبية، وكالة الأونروا، المؤسسات والجمعيات الأهلية، المحلية منها والإقليمية والدولية، وبلدية المنطقة كوْن المجمع خارج حدود المخيم، لتقديم ما يلزم وعلى عَجَل من احتياجات إنسانية ضرورية توفر شيئاً من الكرامة، ولا تحتمل المزيد من التأخير، وإلا سيبقى المجمع وما يعانيه وصمة عار في جبين جميع مَن ذكرت.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد