وحدهم الفرنسيون سيختارون جمهوريتهم

تشهد رئاسيات فرنسا 2017 مواكبة إعلامية كبيرة ومتابعة تحليلية واسعة، سواء من طرف الإعلام المحلي أو الدولي، وإذا كانت ما تنتجه وسائل الإعلام الفرنسية من قراءات وتحليلات تبدو منسجمة إلى حد كبير مع الوضع السياسي الداخلي بفرنسا ومؤطرة لتفاعل المواطن الفرنسي مع شؤون بلاده.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/07 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/07 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش

تشهد رئاسيات فرنسا 2017 مواكبة إعلامية كبيرة ومتابعة تحليلية واسعة، سواء من طرف الإعلام المحلي أو الدولي، وإذا كانت ما تنتجه وسائل الإعلام الفرنسية من قراءات وتحليلات تبدو منسجمة إلى حد كبير مع الوضع السياسي الداخلي بفرنسا ومؤطرة لتفاعل المواطن الفرنسي مع شؤون بلاده.

فإن بعض المقاربات التي يتبناها عدد من المتابعين والمحللين، الذين ينتمون لدول ظلت منذ زمن طويل مرتبطة سياسياً واقتصادياً بباريس، تفتقر إلى كثير من الموضوعية، وتبدو مجانبة للواقع السياسي الفرنسي بشكل كبير، وتعكس بالواضح فشل هذه الدول ومواطنيها، على حد سواء، في الاستقلال الفكري والسياسي عن النظام الفرنسي.

فتكون النتيجة أن نجد أنفسنا أمام تكرار البعض لنفس التحليلات التي تنظر مثلاً للوضع السياسي في المشرق العربي كواحد من المحددات الأساسية في سباق الإليزيه أو تعتبر ملف الهجرة والمهاجرين معياراً لدى الفرنسيين في اختيار رئيسهم.

يجب أن نفهم جيداً السياق الداخلي الذي تجري فيه رئاسيات الجمهورية، وأن ننظر بوضوح للمعطيات المتحكمة في اختيار الناخب الفرنسي، والتي تتحد أساساً في نقط اقتصادية واجتماعية تهم النموذج الاقتصادي الاجتماعي الذي يريده الفرنسيون لبلدهم.

فمعظم الأسئلة التي يطرحها المواطن الفرنسي وينتظر من مرشحي الرئاسة الإجابة الدقيقة عنها هي أسئلة ذات بعد اقتصادي مرتبطة أساساً بخلق فرص الشغل، وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وهي ذاتها النقاط الرئيسية في برامج المرشحين بدرجات اهتمام متفاوتة بحسب انتمائهم السياسي.

ويبقى المميز الأكبر والمحدد الأهم الذي يشكل النقطة الفاصلة في مشاريع المتنافسين على الرئاسة، هو النموذج الاجتماعي الذي يفترض أن تكون عليه فرنسا خلال السنوات المقبلة.

وعكس ما قد يتبادر لذهن البعض، فالأمر في جوهره لا يستهدف الهجرة والمهاجرين، وإنما يستجيب بالأساس لرغبة ملحَّة يعبر عنها العديد من الفرنسيين، تتمثل في تحصين الهوية والثقافة الفرنسية ضد كل ما يتصورون أنه قد يشكل تهديداً لها، هذه النزعة -العنصرية في نظر البعض- نشأت صغيرة في البداية، لكنها ترعرعت داخل أرضية خصبة وفرتها لها العولمة والسياسات الرأسمالية، ولقيت انتشاراً كبيراً في عدد من دول العالم، وهو ما يفسر موجة صعود أحزاب اليمين داخل بلدان كثيرة.

وحتى عندما يتم تناول الملف الدولي الوحيد المؤثر والمحدد في سباق الرئاسيات، وهو مكانة فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، يكون ذلك باعتباره منطلقاً محورياً للبرنامجين الاقتصادي والاجتماعي، ولكونه أيضاً يضع سؤال استقلالية القرار السياسي الفرنسي على المحك ويرسم بشكل واضح العلاقة التي ستجمع مستقبلاً فرنسا بأوروبا عموماً وألمانيا خصوصاً.

وبالنظر لحجم التفاعل الذي يلاقيه خطاب مرشحة اليمين المتطرف منذ مدة، والذي أصبح ينافسه مؤخراً خطاب اليسار الراديكالي ومشروع إيمانويل ماكرون، المستقل عن الأحزاب التقليدية، فإن الفرنسيين اليوم يقفون في مفترق الطرق أمام ثلاثة اختيارات واضحة.. وحدهم الفرنسيون وهم محملون بقيمهم سيختارون جمهوريتهم كما يريدونها.

ملحوظة: كثيراً ما يثير استغرابي أولئك الذين لا يدخرون جهداً في الدفاع عن أحزاب اليمين المشوهة داخل أنظمة سياسية فاشلة، وبالمقابل ينتظرون من الفرنسيين أن يختاروا مرشحاً يسارياً ولمَ لا راديكالياً، حماية لهم ولمعتقداتهم! لا تتصوروا أن باقي الشعوب أقل منكم حرصاً على هويتها ومصالحها الاقتصادية، حتى تجعل من رغباتكم معياراً لاختياراتها.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد