مصر والسودان.. أصل الحكاية

فقدان مصر لموقعها الريادي في العالم العربي والإسلامي لصالح النفوذ الخليجي المتصاعد يثبت نظرية أن الاقتصاد أصبح مصدر القوة الرئيسي في العالم على حساب القوة العسكرية، وأن الإخضاع والتركيع هو شأن اقتصادي محض.. وهذا ما فقدته مصر اليوم!

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/06 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/06 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش

فقدان مصر لموقعها الريادي في العالم العربي والإسلامي لصالح النفوذ الخليجي المتصاعد يثبت نظرية أن الاقتصاد أصبح مصدر القوة الرئيسي في العالم على حساب القوة العسكرية، وأن الإخضاع والتركيع هو شأن اقتصادي محض.. وهذا ما فقدته مصر اليوم!

القاهرة تكتب.. أصبحت العواصم العربية جميعها وبلا استثناء تكتب وتنشر وتقرأ في آن واحد، في ظل الإعلام الجديد والفضاء المفتوح غير الخاضع لهيمنة من أي نوع.

مصر لم تعد خط الدفاع الأول في وجه إسرائيل، التي بدورها لم تعد العدو الأول للعرب، كما يبدو في ظل الصراع العربي – الإيراني اليوم، كذلك لم تعد فاعلاً مؤثراً في الشأن الدولي يخشى منه، ولا مدافعة عن حقوق أشقائها، بل أصبحت تفاضل بينهم على أساس الأيديولوجيا والاقتصاد.
كل هذه الحقائق وقعها لا يبدو مستساغاً طعمه في فم الساسة والنخبة الحاكمة، والحديث هنا تحديداً عن قادة الجيش، فمصر لم تعرف حكاماً غيرهم على مدى تاريخها الحديث سوى لمدة عام؛ ليعود الأمر كما كان عليه في السابق، فقدان السيطرة على الأمور ليس من بين الأمور المحببة للعسكر.

شهدت مصر -ما بعد الثلاثين من يونيو/حزيران- تغييرات كبيرة على الصعيد الداخلي، و"إسناد الأمر لغير أهله" أضحى قاعدةً وأساساً للأشياء. أُسنِدَ الأمر لساسة بعقليات قطّاع طرق، ونخب ومثقفين أعمى التعصب بصيرتهم وشوش على تفكيرهم، ولإعلاميين يمارسون الردح وقلة الأدب كأنها روح المهنية الصحفية وأس الرصانة.

أصبحت لمصر حساسية شديدة ضد الانتقاد، وأوهام المؤامرة الكونية وحروب الجيل الرابع التي أكل عليها الدهر وشرب أصبحت تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار مجدداً.

في ظل كل هذا كان السودان، البلد الجار، الذي قُدّرَ له أن يكون وعلى الدوام الطرف المغلوب على أمره، الحديقة الخلفية، ممتص الصدمات، أكبر من يعاني من التقلبات والاضطرابات التي تحدث في الداخل المصري رغم إصرار الحكومة السودانية المتواصل على إعلائها لسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للجارة الشقيقة، وانعكس الأمر برمته على الإعلام السوداني، حيث سادت حالة من التحفظ والحياد في كل ما يتعلق بالشأن المصري وكأنه التابوه الرابع.

بيد أنه على الرغم من كل هذا ينظر للسودان، الجار الجنوبي كمصدرٍ للتهديد، وهو الشماعة الفضلى عند الإعلام المصري التي يعلق عليها كل فشل داخلي.

فالسودان على ما يبدو ليس محل احترام وتقدير عند الإعلام المصري، ليس ابتداء بتعمد ترسيخ صورة نمطية من خلال الدراما عن الشخصية السودانية، "عثمان" البواب، الكسلان الذي يكسب لقمة عيشه بالجلوس على كرسي أمام أبواب العمارات بلا حراك، أو الذي يخدم عند عائلة برجوازية كعبدٍ لا كحرٍ شريف يكسب عيشه حلالاً، مروراً بالسودان "حاضن الإرهاب"، وداعم إرهاب سيناء، والميليشيات المسلحة في ليبيا، السودان ورقة الضغط عند تركيا وقطر ضد مصر، السودان "الدمية" التي تحركها إسرائيل عن طريق إثيوبيا لتتحالف معها لقيام سد النهضة للإضرار بمصر، وليس انتهاء بمحاولات التقليل من قيمة الحضارة السودانية بجذورها الضاربة في القدم، وتوصيف أهرامات البجرواية بجبنة "النيستو" من قِبل إعلامي مصري محسوب على النظام الحاكم.

أفاعيل الإعلام المصري كلها تتم بمباركة من السلطة الحاكمة، ولسنا في حاجة لكثير شواهد لإثبات ارتباط الإعلام المصري بأجندة النظام الحاكم.

"لا يراد للسودان أن يكون حراً بل في حالة خضوعٍ دائم لرغبات الحكومة المصرية، وبقرة حلوب تفيدُ ولا تُفاد".. هكذا أصبح يفسر معظم السودانيين الأمر. فأضحى الخطاب الموتور من الشمال يجابه بخطاب أشد تطرفاً من جنوب الوادي، والإجراءات التعسفية التي تمارس ضد السودانيين في مصر تواجه بتشديدات على المصريين المقيمين في السودان، وما عادت فضيلة التغاضي فضيلة، بل صار الإعلام السوداني يرد الصاع صاعين، والسن بسن وعين.

والمعارك على مواقع التواصل اشتدت وطأتها، وأمورٌ أخرى مخيفة إن لم يتم تداركها قد تتحول لحالات عنف جسدي ضد الأبرياء الذين لا ذنب لهم.

بإمكان الحكومة المصرية أن تجنب مواطني البلدين كل هذا الأذى والتباغض بكبح جماح إعلامها أولاً، ثم الجلوس مع الحكومة السودانية ومحاولة النظر في جذور المشكلة لوضع حلول لكافة القضايا العالقة بين البلدين بلا تحفظات واشتراطات مسبقة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد