قبيل انطلاق حملة انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016 التشريعية، وبدون مقدمات، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة لمسيرة بالدار البيضاء، ضد ما قيل عنه آنذاك "أخونة الدولة".
ورغم أن هذه الدعوة لم تتبنَّها أية جهة، فإن بصمات حزب الأصالة والمعاصرة والجهات التي تقف خلفه كانت واضحة في مسرح هذه الجريمة، في وقت من المفروض أن يحتكم الجميع لصناديق الاقتراع.
كانت هذه أول مرة تنتقل فيها "الحرب" على الحزب الإسلامي من داخل قبة البرلمان، ومن على صدر الصحف والمواقع الإلكترونية، إلى الشارع، مما فتح الباب أمام سيل من التخوفات، خصوصاً مع استحضار ما وقع في مصر قبيل الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي (فكَّ الله أسره).
هذه التخوفات غداها تعامل وزارة الداخلية مع هذه المسيرة المشبوهة بـ"ليونة"، كما قال محمد حصاد (وزير الداخلية) نفسه، في حين تعامل بـ"خشونة" مبالغ فيها مع مسيرات أخرى سلمية ترفع مطالب اجتماعية، حتى ساد الاعتقاد أن الهدف من تلك التدخلات هو إحراج بنكيران وحزبه.
ويمكن في اعتقادي تلخيص أسباب حملة التخوين هاته في سببين رئيسيين: فمن جهة يريدون التشكيك في ولاء الحزب الإسلامي لثوابت الأمة المغربية، وفي مقدمتها الوحدة الترابية ونظام الملكية، وذلك بإظهار "المصباح" بمظهر الحزب المرتهن لأجندات خارجية، وبالولاء للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وبأنه – الحزب – يمارس التقية فقط، ويضمر عكس ما يظهر، في انتظار التمكين له لقلب نظام الحكم.
أما من جهة أخرى، فيهدف الواقفون وراء هذا الخلط المزعوم بين التنظيمين، إلى الإيحاء بتبني حزب العدالة والتنمية للعنف كمقاربة، باستدعاء مرحلة من مراحل تطور جماعة الإخوان المسلمين طبعها العنف في صراعها مع الدولة والتركيز عليها، رغم أن الجماعة قامت ومنذ زمان بمراجعات هامة تلخصها المقولة الشهيرة لمحمد بديع، المرشد العام للتنظيم الإخواني (فك الله أسره) في اعتصام رابعة "سلميتنا أقوى من الرصاص".
هل أثرت هذه الحملة في علاقة الملك بالحزب الإسلامي؟ لا أظن ذلك. فقبل ثلاثة أسابيع فقط عقد حزب العدالة والتنمية مجلساً وطنياً استثنائياً تدارس فيه حيثيات إبعاد الأمين العام للحزب من مشاورات تشكيل الحكومة بعد 5 أشهر من "البلوكاج" المفتعل. حين ارتقى سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني وخليفة بنكيران، المنصة قال وهو يغالب دموعه بأن لديه رسالة من الملك محمد السادس مضمونها "بلغ سلامي إلى جميع أعضاء الحزب وقل لهم إن جلالته يريد أن يشتغل مع العدالة والتنمية لأنه حزب وطني".
هذه الرسالة على قصرها تتضمن شهادة بالغة الأهمية من الجالس على العرش، بما يمثله من سلطات مادية ورمزية، لم تحظَ بنصيبها من التحليل في وسائل الإعلام، حتى تلك التي تنتمي منها لحزب العدالة والتنمية.
وهي في نفس الوقت رد على مؤامرات الوقيعة بينه وبين الحزب الإسلامي بالاجترار السخيف لنظريات بليدة من قبيل "أخونة الدولة"؛ لذلك فالسؤال أعلاه: "هل أنهى الملك حلم "أخونة الدولة"؟ هو سؤال مزيف؛ إذ لا وجود لأي مشروع للخروج عن ثوابت الأمة المغربية كما هي معروفة إلا في مخيلة هؤلاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.