إسطنبول وأعراس الحرية

هنا، ستخرج صباحاً تجدهم يوزِّعون الكعك أو ما يسمى في مصطلحهم "السميت"، فلا يتزاحم الناس لياخذوا ثم إذا نَوَوا بعيداً، قالوا لن ننتخبهم، لم أجد الناس تتزاحم عليهم، وإنما الذي يوافقهم في الفكرة والنهج كان يقف معهم ويشجع حملتهم، سترى الطابع الحقيقي للمجتمعات وليس طابع المجاملة لغرض الحصول على الفوائد والمكاسب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/16 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/16 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش

حين تبدو المدن أكثر جمالاً فهي أكثر إشراقاً وأكثر تقدماً، يتوجب عليك أن تقف قليلاً، قبل أن تحمل متاعك مسافراً، أي البلاد ستكون محطتك الأخيرة، محطة حياة جديدة وولادة لك على عالم جديد، فليس كل الديار تقصد ولا كل البلدان تقصد، ولا كل الناس تقصد. قبل ألف عام، إذا أردت أن تكون عالماً بارعاً فوجهتك بغداد، محط الأدباء والعلماء والحكماء، وبما أن الشمس إذا أَفَلَتْ في مكان تشرق بمكان آخر، واليوم إذا أردت أن تقصد فاقصد إسطنبول.

إسطنبول وذكريات ليلة الانقلاب التي حُفرت في عقولنا، وعشنا أحداثها وتفاصيلها، وشاركنا في فعاليات وأفراح فشل الانقلاب، وانتصار إرادة الحرية، كانت ساعات قليلة بمثابة سنوات عديدة، نضجت فيها عقولنا وأرواحنا، وتغيرت نظرتنا للأوطان؛ فوطن بلا حرية لا يعد وطناً، ووطن بلا أمن لا يعد وطناً، ووطن بلا وحدة تذيب خلافاتنا لا يعد وطناً، فكل هذه من مستلزمات الإيمان بالحرية، فكما أن حب الأوطان من الإيمان، فالحرية أُسّ هذا الإيمان.

تعود الحياة لإسطنبول وتعم الأفراح كل أرجائها وأزقتها، لتبدو أجمل للناظرين من بعيد، ولتغدو حديث الحرية والأحرار في العهد الجديد.. وبعد كل هذا الذي جرى وبعد أشهر ليست كثيرة، ما بين يوليو/تموز وأبريل/نسيان، سيكون ميلاد جديد للحرية، ستكون على موعد مع التغيير، موعد مع التطوير، موعد مع الرقي والسمو.

بالتأكيد، ليس هدفي أن تمر التعديلات الدستورية سلباً أو إيجاباً، وإنما أن ترى روح الخلاف، دون عراك ولا التفاف. أجل إنه ميلاد جديد، سيبدد عهد العبودية وتشرق شمس الحرية على ربوع إسطنبول.. إن مشيت في أزقة إسطنبول هذه الأيام، فسترى حياة أخرى، سترى الخلاف موشحاً بالابتسامة، خالياً من الدماء، سترى الأزقة ملوَّنة بـ"نعم" و"لا"، ولكل منهما حملته وأعلامه وأناشيده، لا يشتم أحدهما الآخر، ولا يزدري بعضهما بعضاً.

الجميل في الأمر، أن ترى أصحاب الحملتين في إحدى مناطق إسطنبول، متكاتفين يحمل كل منهما وجهة نظر تختلف عن الآخر، وينتسب كل منهما إلى جهة مغايرة للأخرى جملة وتفصيلاً، ولكنهم يهدفون وبشكل متغاير إلى وطن أجمل، إلى وطن يوفر الحقوق لرعاياه.
تعجز الكلمات عن وصف الحدث؛ لأن من رأى ليس كمن سمع؛ أن تشاهد ثقافة الخلاف بأم عينيك وتعايشها غير الذي تسمعه أو تنظر له، هنا على خلاف ما يوجد في بلداننا لا تكاد ترى أصحاب حملة يدفعون أموالاً ليشتروا بها ضمائر الناخبين وأصواتهم.

هنا، ستخرج صباحاً تجدهم يوزِّعون الكعك أو ما يسمى في مصطلحهم "السميت"، فلا يتزاحم الناس لياخذوا ثم إذا نَوَوا بعيداً، قالوا لن ننتخبهم، لم أجد الناس تتزاحم عليهم، وإنما الذي يوافقهم في الفكرة والنهج كان يقف معهم ويشجع حملتهم، سترى الطابع الحقيقي للمجتمعات وليس طابع المجاملة لغرض الحصول على الفوائد والمكاسب.

الخلاصة:
1.الإقامة ببلد فيه تجربة ناشئة وحديثة مع الدراسة، خير من الدراسة في غيره من البلدان، لأنك ستحصل على الشهادة العلمية والتجربة العملية.

2.الأساس في تجربة التعديلات الدستورية التي ستنتهي بالإيجاب أو السلب، هو انتصار إرادة الشعب، وضمان الحرية لكل مكونات الشعب التركي بمؤيديه ومعارضيه.

3.الحرية هي مصدر الإبداع والأساس في البلدان والمؤسسات، فالشعوب ترتقي وتتقدم كلما زادت مساحة الحرية، شرط الا تُستثمر بشكل سلبي، (وأن تحيا حراً يوماً واحداً خير لك من ألف سنة مما يعدّ العبيد).

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد