خلَّف إعفاء عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من مهمة تشكيل الحكومة، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر من المشاورات والمفاوضات التي وصلت إلى الطريق المسدود أو ما سُمي إعلامياً بـ"البلوكاج الحكومي"، ردود فعل قوية لقيادييه ومختلف المتعاطفين معه، هذا الإعفاء الذي بلا شك له عدة قراءات من جوانب مختلفة، كل حسب تموقعه ومنطلقاته ومرجعياته وحساباته، خصوصاً بعد حدث تكليف سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب، عوضاً عنه بهذه المهمة.
والمثير للانتباه، حول ردود الفعل هذه، أنها تم التعبير عنها من طرف مختلف قياديي هذا الحزب وعبر مختلف الوسائل الإعلامية، بشكل واعٍ ومنظّم من حيث التوقيت، ما يجعلها عملية ردود فعل مصطنعة وموجهة على أنها مجرد ردود فعل عفوية، ويمكن إجمالها في توجّهين رئيسيين:
• الأول على شخص عبد الإله بنكيران، محاولين التغطية على فشله بجعله يرقى إلى مصاف الشخصيات الحزبية التي عرفها المغرب، كعلال الفاسي، وعبد الرحيم بوعبيد، وعلي يعتة، وعبد الرحمن اليوسفي.. مع فارق شاسع لا من حيث التشبيه ولا من حيث الواقع التاريخي والمحطات النضالية لهؤلاء الزعماء مع زعيمهم عبد الإله بنكيران، واصفين إياه بشتى التوصيفات التي ترتبط مباشرة بالتنظيمات الإخوانية التي ترتكز على نظرية الشيخ والمريد.
• الثاني التركيز على الحزب ووحدته، حسب تصريحات قياديي الحزب، فإن هذا الأخير هو عبارة عن مؤسسة لها هياكلها وقوانينها الداخلية وأجهزتها التقريرية والتنفيذية والدعوية والإعلامية والكتائبية وهلمّ جرّا من هياكل معلنة وغير معلنة، ترسخ لصرح الديمقراطية العتيدة الحزبية، التي من خلالها يعمل الحزب على "ممارسة الديمقراطية وتدبير اختلافاته الداخلية تدبيراً ديمقراطياً"، معتبرين أن حزبهم هو تجلٍّ من تجليات الديمقراطية بالمغرب، وكأن الديمقراطية لم تكن يوماً بالمغرب إلا عندما وجد هذا الحزب، وأنه لم تكن هناك إرادة شعبية إلا بتصدر حزبهم لنتائج الانتخابات، بل ويكادون يصرحون بأنه لا يوجد أي حزب بالمغرب إلا حزبهم.
وبالوقوف عند تصريحات هؤلاء القياديين ومن يدور في فلكهم، وكذا ما تصدح به حناجر وتدوينات الصناديد من الفرسان الأشاوس الإلكترونيين بمختلف أنواعهم، نجدهم يسقطون في تخبط وتناقض بين اعتبارين:
• الأول اعتبار الحزب بعيداً عن الأحزاب الأخرى التي يكون فيها الزعيم والقائد هو نفسه الحزب، وما أن ينتهي القائد يدخل الحزب في دوامة الانشقاقات والتقهقر الشعبي والانتخابي، وفي نفس الوقت اعتبار عبد الإله بنكيران الزعيم والقائد الذي بفضله وصل الحزب للنتائج التي حققها، وكذا صمام أمان وحدة الحزب وتماسكه التنظيمي وضبط القياديين والمتعاطفين.
• الثاني اعتبار الحزب هو مؤسسة مستقلة عن المفاهيم التقليدية للأحزاب الأخرى التي ما زال القائد أو المؤسس هو هو نفسه الحزب، محاولين استبعاد نظرية الانقسامية التي تميز بها تاريخ الأحزاب السياسية، من السيناريوهات المستقبلية التي يمكن أن تطال حزبهم، معتبرين أن إعفاء عبد الإله بنكيران هو محاولة استهداف الحزب ووحدته عبر خلق البلبلة بين قيادييه وقواعده كمدخل لإحداث شرخ داخل الحزب تمهيداً لعملية انشقاق محتملة، وبالتالي "إضعافه وتركيعه لخدمة أجندات جاهزة للتحكم".
إضافة إلى عدم قدرتهم عن الفصل بين مآل الزعيم عبد الإله بنكيران ومستقبل الحزب، وفي نفس الوقت تجنب انتقاد سعد الدين العثماني في موافقته على ضم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للتشكيلة الحكومية، محاولين تبرير هذا الاختيار/الرضوخ لمطالب عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، بالظرفية السياسية والمصلحة العليا للوطن، وأنه خطوة تكتيكية وانحناء للعاصفة والانهزام في الشوط الأول من المباراة.. وما إلى ذلك من التوصيفات التي تطلقها قيادات الحزب لتبرير مأزقه تجاه القواعد والمتعاطفين والرأي العام.
إن تبجح حزب العدالة والتنمية بما يعتبره الديمقراطية الداخلية للحزب في تدبير اختلافاته وتجاوز أزماته، لا يحمل من الديمقراطية إلا الاسم؛ حيث يتجلى ذلك من خلال بلاغات الأمانة العامة للحزب تجاه مشاورات تشكيل الحكومة قبل إعفاء عبد الإله بنكيران وبعد تكليف سعد الدين العثماني بدلاً عنه؛ حيث ما فتئ الحزب يردد أن قراراته هي قرارات الهيئات التقريرية وليست قرارات فردية أو مرتبطة بأشخاص، إلا أنه سرعان ما برر مواقفه بالظرفية السياسية ومصلحة الوطن، وكأنه أعاد قراءة الدستور من جديد، واكتشف كم هي واهنة تلك الشرعية العددية التي تمسك بها طيلة خمسة أشهر من المفاوضات.
إن مشاورات تشكيل الحكومة أعطت لحزب العدالة والتنمية درساً لم يستطِع بعد استيعابه في المشهد السياسي المغربي، وهو أنه مجرد ورقة حزبية كباقي الأحزاب المغربية التي تداولت على الحكومة، وأن تصدّر نتائج الانتخابات لا يعني الحصول على الضوء الأخضر للسيطرة على المشهد السياسي والهيمنة على الأحزاب، على اعتبار أن التفوق العددي غير كافٍ للتفاوض أمام القوة السياسية المستندة على القوة الاقتصادية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.