حرب أوروبا الديمقراطية ضد حملة "نعم"، هي حرب ضد استمرار تركيا في تحقيق أهداف مشروعها القومي النهضوي (2023 – 2053 -2071)، وسعيها لحماية شعبها ونهضتها من الخيانات والانقلابات والمنظمات الإرهابية المتحالفة، ومنع سرقة القرار السياسي التركي من الحكومات المنتخبة ديمقراطياً، والنجاة من حلقة النار التي تحيط بها، فليس أمام تركيا وخلفها إلا حليف متخاذل، أو صديق ضعيف أو عدو ماكر غادر.
أوروبا الديمقراطية فشلت في منع القطار التركي من الاستمرار على سكة النهضة والتنمية والتقدم في جميع المجالات، فكشرت عن أنيابها وأظهرت صليبيتها، فاستحضرت ماضيها النازي والفاشي من أجل وأد التجربة التركية بانحياز واضح ودعم كامل لحملة "لا"، بعدما تبخرت أماني نجاح الانقلاب القضائي والعسكري والاقتصادي وحملات المنظمات الإرهابية المرعية من طرفها طيلة السنوات الماضية.
إن اليمين المتطرف بأوروبا أكثر جرأة وأصدق قولاً في انتقاد التجربة التركية، بقيادة العدالة والتنمية، من الساسة الأوروبيين المتلونين، قال السياسي اليميني المتطرف خيرت ويلدرز: "تركيا أصبحت دولة إسلامية خطيرة، وأردوغان رئيس يحمل راية الإسلام."
هذه الحقيقة التي يراوغ الأوروبيون في التصريح بها، وهي وراء كل الإجراءات والتصريحات والمواقف المتعصبة والعنصرية تجاه تركيا والأتراك، وليس الموضوع هو الديمقراطية والنظام الرئاسي، وحرية التعبير والصحافة ومعايير الانضمام للاتحاد الأوروبي وغيرها من المواضيع، التي تغطي بها أوروبا صراعها الحقيقي مع تركيا المسلمة.
فشل الأوروبيين في إدارة خلافاتهم مع تركيا
لقد نجح الرئيس التركي في وضع أوروبا في الزاوية، وصفعها بحقيقة حضارتها التي ترفع شعار الإنسانية والديمقراطية والحرية، وتعمل بنظام الاستعمار والتحكم والاستغلال مقدرات الشعوب تحت عدة مسميات، ليس في مقدرة أي زعيم سياسي مسلم أو غير مسلم أن يقول عن ألمانيا نازية، وعن هولندا فاشية، وعن أوروبا عنصرية، وأن العالم أكبر من خمس دول تتحكم في مصير العالم عبر الفيتو، أردوغان يتقن فن مواجهة الغرب وسياسته الإمبريالية، ولا يترك فرصة لفضح الغرب إلا قام بذلك وبأقوى عبارة.
لقد خسرت أوروبا مواجهتها مع أردوغان وحملة "نعم" في نقطتين مهمتين:
الأولى: ظهور أوروبا بتصرفاته تلك، معادية للاستفتاء على التعديلات الدستورية وحملة "نعم"، مما ولد ردة فعل عكسية زادت من رصيد حملة "نعم"، وارتفاع نسبة الأصوات الموافقة على التعديلات الدستورية بعد الموقف الأوروبي الأخير.
الأخرى: أصبح المواطن التركي يتعامل مع القضايا التي يتدخل فيها الغرب بنزعة قومية، حتى القضايا الدينية والإنسانية يدافع الأتراك عنها بنزعة قومية، رافضين الوصاية الأوروبية والغربية على اختياراتهم وقراراتهم.
أوروبا والإسلاموفوبيا
مشكلة أوروبا والغرب عموماً ليست مع تركيا الحديثة ولا العدالة والتنمية الحزب ولا أردوغان الرئيس، ولكن مشكلتهم الحقيقية مع الإسلام وحضارته وثقافته، هذا ما يصرح به مفكروهم وخبراؤهم كـ"صاموئيل هنتنغتون"، الخبير في وزارة الخارجية الأميركية القائل: "إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست الإسلاميين المتطرفين، وإنما الإسلام ككل، فالإسلام بكل طوائفه وفي مختلف دوله، عبارة عن حضارة كاملة تشتمل الدين والدنيا، وكل مظاهر الحياة اليومية، ولذا قلت إن الإسلام ونظام الدول الغربية لن يلتقيا، إن المسلمين يعلنون في وجه كل غربي أن دينهم هو الأحسن، وأن عاداتهم وتقاليدهم هي الأفضل، كلهم يقول ذلك المتطرف والمعتدل".
سعى المؤرخ البريطاني مارك ألموند، في مقاله بصحيفة ديلي تليغراف "هل تتحول تركيا إلى رجل أوروبا المريض؟" إلى إقناع نفسه وقرائه بأن تركيا بقيادة أردوغان مريضة، لكن الواقع أن أوروبا هي التي تبدو عليها أعراض المرض، بداية من صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالب أوروبا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإغلاق الحدود وإعادة السيطرة عليها، ووقف اتفاقية شينغن، وضعف الدعم السياسي لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، والعجز في تدبير أزمة اللاجئين، والفجوة الكبيرة بين اقتصاديات الاتحاد، وعدم القدرة على تقاسم المسؤوليات، وغيرها من المؤشرات والعلامات التي رآها الخبراء دليلاً على مرض الاتحاد الأوروبي وبداية تفككه.
فرغم تأكيد قادة الدول الأوروبية في الذكرى الستين لتوقيع اتفاقية روما – التي تأسس بموجبها الاتحاد الأوروبي والتي وقعت في 25 مارس/ آذار 1957- على وحدتهم ورفعهم شعار "الاتحاد واحد ولا ينفصم"، في رد واضح على بريكسيت، والتأكيد على أن "أوروبا هي المستقبل المشترك"، فإن واقع الاتحاد الأوروبي صعب للغاية، واستمرار تمرد بولندا واليونان وأعضاء آخرين على الاتحاد ومؤسساته، واحتجاجاتهم المتكررة ضد سياسات بروكسل، والخلافات المستمرة بين دول الاتحاد حول مسائل اجتماعية واقتصادية، تكذب الشعار المرفوع في الذكرى الستين لتوقيع اتفاقية روما.
هل جاء زمن مرض أوروبا؟ كما قال رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، مصطلح "الرجل المريض" الذي كان يطلق على الدولة العثمانية في سنواتها الأخيرة بات من الممكن أن يطلق على أوروبا الآن؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.