طبعت قبلتها الأخيرة على وجوه أطفالها وهي تبكي بحرقة مرددةً: "راحوا أغلى ما عندي" في ذلك اليوم البائس، الثلاثاء 4 أبريل/نيسان 2017، إذ مات أبناء أم محمد الثلاثة (2-5-8 سنوات) اختناقاً بالغازات السامة التي أطلقها النظام السوري في مدينة خان شيخون بريف إدلب شمال غربي سوريا، وراحوا ضمن أكثر من 100 قتيل خلَّفهم القصف بالغازات السامة.
ذلك اليوم لن ينساه أهالي الضحايا الذين رأوا ذويهم وأطفالهم يختنقون أمام أعينهم، ويغمى عليهم ويتقيأون ويخرج الزبد من أفواههم وأياديهم مكبلة لا تستطيع مساعدتهم، كما لن ينساه أكثر من 400 مصاب قصفتهم الطائرات في السابعة من صباح ذلك اليوم بغاز السارين السام.
وبينما كانت عائلته تقتل كان العالم كله نائماً، كما قال الشاب السوري عبد الحميد اليوسف، الذي ودع 25 من أفراد عائلته واحداً تلو الآخر في "مجزرة الكيماوي"، كان من بينهم رضيعاه التوأمان، آية وأحمد -9 أشهر-، وقد ودعهم وأمهم بعبارة: "يا دلال، ديري بالك على الولاد" بعد دفنهم مع عائلته وعائلات جيرانه.
الطفلة بانا: لماذا لا تتوقف الحرب؟
بعدها، وجهت الطفلة الحلبية بانا العابد، التي تعدّ أشهر طفلة سورية على تويتر، نداءً للعالم لوقف ما يحدث في سوريا، فجل ما تريده هو أن يتمكن الأطفال السوريون من اللعب وأن يعودوا للمدارس دون خوف من القتل بالطائرات. وخلال مداخلتها على قناة CNN الأميركية سألت المذيعة: "لماذا لا تتوقف الحرب في سوريا المستمرة منذ 6 سنوات؟"، فلم تستطع إجابتها.
إيفانكا ترامب: صور الهجوم تحطم القلب
الحدث كان صادماً، شجبته دول عدة، وأدانه كثير من الشخصيات السياسية، من بينها إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشارته، التي غردت على حسابها على تويتر بالقول: "صور الهجوم الكيماوي الفظيع في سوريا أمس، تحطّم القلب، أشعر بالغضب".
Heartbroken and outraged by the images coming out of Syria following the atrocious chemical attack yesterday.
— Ivanka Trump (@IvankaTrump) April 5, 2017
شجب رسمي
وعلى الصعيد الرسمي، وصف وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل، الهجوم بـ"العمل الوحشي الذي لا مثيل له"، وطالب بـ"موقف لا لبس فيه" من جانب مجلس الأمن الدولي، بينما قال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، إن "الهجوم الذي وقع واستهدف أبرياء بينهم نساء وأطفال مشين ومروع".
بينما وجه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، أصابع الاتهام للنظام قائلاً: "الهجوم يحمل كل سمات هجوم نفذه النظام الذي استخدم أسلحة كيميائية بشكل متكرر"، بينما ذكَّر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بهجوم الغوطة (الشرقية لدمشق) في 21 آب/أغسطس 2013، مؤكداً أن بشار الأسد يهاجم مدنيين مستخدماً وسائل يحظرها المجتمع الدولي.
فيما ندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصالٍ هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالهجوم اللا إنساني غير المقبول، وندّد وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بالمجزرة عبر حسابه الرسمي على تويتر، فيما أدانت السعودية "الجريمة البشعة" التي تمثل تحدياً للقوانين الدولية والمبادىء الإنسانية، وشجبت مصر "القصف العشوائي" مؤكدةً "أهمية التسوية السياسية للأزمة السورية".
لم يشهد التاريخ وحشية و جرائم لاإنسانية كالتي يرتكبها النظام بحق الأبرياء في #سوريا،، عارٌ على الإنسانية صمتها #خان_شيخون
— محمد بن عبدالرحمن (@MBA_AlThani_) ٤ أبريل، ٢٠١٧
مجلس الأمن.. خطب رنانة وإرجاء القرار
وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً في نيويورك، الأربعاء 5 أبريل/نيسان، بعد تقدم واشنطن وباريس ولندن بمشروع قرار إلى المجلس لإدانة الهجوم، ويدعو إلى إجراء تحقيق لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
حيث رفعت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، صور أطفال سوريين سقطوا في الهجوم، قائلةً: "الإخفاق المتواصل لمجلس الأمن الدولي إزاء سوريا سيُجبرنا على التحرك بشكل منفرد"، دون توضيح طبيعة التحرك الذي تقصده، فيما تساءلت: "كم عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا حتى تتحرك روسيا؟"، مشيرةً إلى عدم رغبة الأخيرة تحقيق السلام في سوريا، وعدم تحملها المسؤولية، ما أوصل تلك الأسلحة ليد النظام السوري.
وبعد خطبٍ رنانة بالمجلس، أُرجئ التصويت على مشروع قرار لإدانة الهجوم، لإفساح الوقت للتفاوض مع موسكو التي بررت في وقتٍ سابق الهجوم مؤكدةً أنه استهدف "ترسانة المعارضة الكيماوية"، ورأت المشروع المقترح أعد على عجل وغير مفيد، وقدمت مشروعاً بديلاً.
ترامب يغير موقفه حيال الأسد
وبينما كانت الدول الكبرى تخوض نقاشاتها كان ترامب يعلن عن تغيير موقفه حيال الرئيس بشار الأسد، متوعداً برد أميركي، على ما اعتبره "إهانة للإنسانية"، وقال في خطابه من البيت الأبيض إن "هذا الهجوم على الأطفال كان له تأثير كبير عليَّ".
ومع تعالي الأصوات المطالبة بالتحرك، والتي كان منها أصوات نواب الكونغرس الأميركي بحزبيه الجمهوري والديمقراطي، وعقب إعلان مسؤول بالإدارة الأميركية عن دراسة خيارات عسكرية عرضتها وزارة الدفاع للرد على الهجوم الكيماوي، فاجأ ترامب العالم بشن قواتٍ أميركية هجوماً على قاعدة عسكرية سورية تابعة للنظام، في تمام الـ 04.40 دقيقة من صباح اليوم.
قرار القصف على طاولة العشاء
بعد التصريحات والمناقشات الرسمية، وفي منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا الذي يملكه ترامب، كان الرئيس الأميركي مع نظيره الصيني شي جين بينغ، وزوجتيهما يتناول العشاء على مأدبة رسمية ضمن نحو 30 شخصاً من العاملين بالإدراة الأميركية، بينهما إيفانكا وزوجها كوشنر، وكانوا يتناولون لحم ستيك مع الجزر ونبيذ شاردونييه.
أعقب هذا العشاء بساعتين انطلاق الصواريخ، وبعد 6 دقائق من بدء ضرب صواريخ توماهوك أهدافها، قام وفد الرئيس الصيني بالمغادرة، وبعد أقل من ساعة إضافية كان ترامب يقف أمام الكاميرات من غرفة عمليات مؤقتة بدت أنها من المنتجع ذاته، حيث وجه من هناك كلمته بجدية بالغة يؤكد فيها أن صواريخه كانت رداً على هجوم "الديكتاتور السوري" بالأسلحة الكيماوية على المدنيين الأبرياء.
ترامب: صلوا لأرواح الأبرياء
وتابع: "انتزع الأسد حياة رجال، ونساء، وأطفال أبرياء. لقد كان موتاً بطيئاً ووحشياً للعديد منهم. حتَّى إن الأطفال الرُضَّع الجميلين قُتلوا بقسوةٍ في هذا الهجوم بالغ الوحشية، ولأنه لا يجب أن يعاني أي طفل، أمرت بضربة عسكرية موجَّهة، فلا خلاف على استخدام سوريا أسلحة كيماوية محظورة، وانتهاكها اتفاقية الأسلحة الكيماوية، وتجاهلها مطالب مجلس الأمن الدولي". وفي لفتة دينية، طالب بالصلاة لأرواح الجرحى والقتلى.
#WATCH: President Trump Addresses Military Strike Against Syria https://t.co/bg7HMBK6pD pic.twitter.com/eexZZXH7ID
— CBS Philly (@CBSPhilly) ٧ أبريل، ٢٠١٧
59 صاروخاً تدمر مطار الشعيرات السوري
أطلقت المدمرتان USS ROSS وUSS PORTER، اللتان كانتا متمركزتين شرق المتوسط قرب الساحل السوري الغربي، الجمعة 7 أبريل/نيسان، نحو 59 صاروخاً على قاعدة الشعيرات العسكرية الجوية بمدينة حمص السورية، ما أدى إلى دمار شبه كامل في مطار الشعيرات.
وقد أسفر هذا الهجوم الذي كبد أميركا نحو 88.8 مليون دولار، علماً أن عدد الصواريخ 59 صاروخاً، وتكلفة إطلاق الواحد منها تصل إلى 1.5 مليون دولار، -عن تدمير مطار الشعيرات بشكلٍ كامل بما فيه من طائرات، بالإضافة لمدرج الطائرات، ومخزن الوقود، ومبنى الدفاع الجوي، بحسب تصريحات المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة الأنباء الفرنسية.
بينما قال اللواء إيغور كوناشينكوف، الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، أنهم توصلوا لأماكن 23 صاروخاً من أصل 59، والتي سببت تدمير مستودع معدات، وجناح دراسي ومطعم و6 مقاتلات "ميغ-23" كانت داخل حظائر إصلاح، بالإضافة إلى محطة رادار.
سبق تنفيذ الضربات الجوية تحركات دبلوماسية واتصالات واسعة للإدارة الأميركية مع عدد من الدول الكبرى؛ لإخطارها بِنيّة واشنطن تنفيذ ضرباتها الجوية ضد قوات الأسد، من بينها بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكذا روسيا التي تم تحذير جنودها لمنع نشوب صراعات.
الجيش السوري يعلن أميركا شريكاً لداعش
بينما أعلن المتحدث باسم الجيش السوري في بيان نقله التلفزيون الرسمي، عن مقتل 6 أشخاص وسقوط عدد من الجرحى، فيما قالت صفحات موالية للنظام على فيسبوك، إن من بين القتلى ضابط برتبة عميد وهو خليل عيسى.
بينما تحدث المتحدث العسكري عن أن "العدوان الأميركي يقوض مكافحة الإرهاب التي يقوم بها الجيش العربي السوري، ويخالف القوانين الدولية، وهذا يجعل أميركا شريكاً لداعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية"، مؤكداً أن الرد سيكون باستمرار "سحق الإرهاب".