بعد أكثر من نصف قرن على حدوثها، كشف تقرير سري عن وقوع كارثة نووية روسية في أثناء الحرب الباردة، دفع ثمنها سكان كازاخستان في خمسينات القرن الماضي.
إذ خلّف الانفجار عدداً كبيراً من المصابين بالإشعاعات السامة، يفوق عدد المصابين في كارثة تشرنوبل (أكبر كارثة نووية وقعت في مفاعل تشرنوبل بأوكرانيا) بـ4 مرات، فيما يقول العلماء إن آثار الإشعاعات ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
وقد كشف التقرير الذي نشرته مجلة New Scientist، في عددها الأخير، عن دخول أكثر من 600 شخص إلى المستشفى على أثره، بينما قدّر الأطباء، الذين أُرسلوا للتقصي سراً عن الموضوع، تأثر 100 ألف شخص على الأقل بالانفجار، بحسب موقع صحيفة Daily Mail البريطانية.
وكانت مدينة سيميبالاتينسك -تدعى سيمي الآن- الكازاخستانية أولى بقاع تجارب الأسلحة النووية الروسية، إذ يشير التقرير إلى أن روسيا نفذت نحو 465 تجربة نووية بالموقع بين عامي 1949 و1989.
فيما كانت أولاها قنبلة البلوتونيوم First Lightning في 29 أغسطس/آب 1949، والتي كانت بمثابة نسخة مطابقة لقنبلة Fat Man، التي أطلقها الأميركيون على ناغازاكي.
وقتها، أرسلت موسكو بعثة علمية لتحري ما بعد الحادثة، وأشارت البعثة في تقريرها -السري آنذاك- إلى وجود تلوث إشعاعي كبير، وانتشار الأمراض الناتجة عن الإشعاع في سهوب كازاخستان (مساحة واسعة من المراعي المفتوحة شمال البلاد).
وفي أغسطس 1956، اجتاحت تداعيات اختبارات الأسلحة النووية السوفييتية المتكررة المدينة بأكملها؛ بل وصل قُطر أضرارها إلى ما يزيد على 100 ميل (175 كم).
أما على الصعيد الرسمي، فأخفت الحكومة والعلماء الحقيقة عن الشعب الروسي والعالم، بينما استمرت مراقبة تداعيات القنبلة في صمت.
فيما كان الوضع يزداد سوءاً؛ فبعد شهر من السحابة النووية، وتحديداً في سبتمبر/أيلول 1956، وصلت نسبة الإشعاعات لأكثر من 100 مرة من الجرعة المُوصى بها من قِبل منظمة الحماية الإشعاعية العالمية Radiological Protection.
محاولات التستر على الكارثة
كانت الصحافة الغربية أشارت إلى التأثيرات الواضحة على سكان القرى المحيطة بالمدينة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي إلى الآن، لكن هذا التقرير المصنّف "سري للغاية" يؤكد دراية الدولة والعلماء بالكارثة وتستُّرهم المتعمَّد عليها.
فيما عَثَرَ على التقرير، الذي أعده علماء من معهد الفيزياء الحيوية بموسكو، مديرُ "معهد الطب الإشعاعي والبيئة"، كازبيك أبساليكوف، في أرشيف المعهد نفسه، ثم قدمه لمجلة New Scientist بعدما ظل سرياً حتى عام 1991.
ويوضح التقرير عثور العلماء، خلال 3 بعثات أُرسلت إلى أوست-كامينوغورسك، على تلوث إشعاعي على نطاق واسع بالتربة والطعام، كما تأثرت جميع القرى التي تقع شرق كازاخستان.
وقررت موسكو، وقتها، افتتاح عيادة خاصة في المنطقة؛ لمراقبة تأثيرات الإشعاع على المنطقة ودراستها، ووثقت في نهاية عملها تضرُّر 100 ألف شخص، بالإضافة إلى أطفالهم.
فيما سُميت العيادة "عيادة مكافحة حمى البروسيل رقم 4″، للتمويه؛ إذ إن البروسيل مرض بكتيري مُعدٍ، وتحول اسمها إلى معهد الطب الإشعاعي والبيئي، في السنة التي انهار فيها الاتحاد السوفييتي.
وعلى الرغم من فداحة الأضرار الحادثة، قال كبير العلماء الحاليين، بوريس غوسيف، إن العديد من التقارير التي أُرسلت إلى موسكو تم التخلص منها؛ كي لا ينكشف السر.
بينما قلّل العلماء في التقارير المكتشفة من شأن المخاطر التي أصابت الجهاز العصبي والدم، زاعمين أنه "لا يمكن نسبها إلى تأثير الإشعاع"، وبدلاً من ذلك أُلقي اللوم على سوء الصرف الصحي والنظام الغذائي وأمراض مُعدية؛ مثل البروسيلا والسل.
وعلى صعيدٍ آخر، أكد أبساليكوف أن جزءاً كبيراً من المنطقة أصبح آمناً من التلوث الإشعاعي، إلا أن بعضها الآخر "لن يعود لطبيعته مجدداً" بعد الأضرار التي خلفتها التجارب النووية.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن موقع صحيفة Daily Mail البريطانية. للاطلاع على النص الأصلي، اضغط هنا.