نعم لنصوّت على القصر وكفانا من أراق دماء الشعب على مذبح الديمقراطية، الانتخابات التشريعية بالمغرب منحت الصدارة لحزب العدالة والتنمية، وتلته أحزاب أخرى بعدد مقاعد محترم، منها الغريم الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وأخيراً التجمع الوطني للأحرار، والبقية تقاسمت ما تبقى من المقاعد مشكّلة كتلاً خفيفة الوزن لم تستطِع حتى تكوين فرق برلمانية قادرة على الدفاع عن أهدافها ومشاريعها.
هكذا انتهت قصة العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، وهكذا أراد شعب المصوّتين، وهذا الوصف (شعب المصوتين) هو وصف وجب عليَّ استعماله؛ لأن الغالبية العظمى لم تشارك في هذه الانتخابات، رغم تحرك كافة قطاعات الدولة لدفع الجموع البشرية للتوجه لغرف الاقتراع، لكن حاجز الثقة المفقودة وقف ليصد تحركات الدولة.
إن قامت مؤسسة حقوقية أو عدلية ما بالقيام باستفتاء ذي مصداقية عالية، فالأكيد أن الغالبية العظمى من الشعب ستبدي فقدانها الثقة في الكوادر السياسية، وانعدام الثقافة المؤسساتية بصفة عامة في البلاد وبين العباد، وما المظاهرات والتحركات الأخيرة التي جابت المملكة إلا دليل على ذلك بكون معظمها من تأطير أفراد لا ينتمون لأي حزب أو أي مؤسسة.
الأيديولوجية في المغرب شيء مفروغ منه ولا حديث عنه، فكل الأحزاب تدور في فلك المخزن، وتعيش على نفقة المخزن، ولا وجود لها بدونه، وما خفوت نجم الأحزاب التاريخية التي تخلَّى عنها المخزن إلى حين إلا دليل على ذلك.
انعدام الثقة في الأحزاب السياسية ليس فقط راجعاً إلى ضعفها أو إلى انعدام الثبات في مواقفها السياسية، بل هو راجع أيضاً إلى الثقة العمياء لأغلب الشعب المغربي في القصر، وعلى رأسه الملك محمد السادس.
المجتمع المغربي مقسم لثلاث طبقات تشارك في اللعبة السياسية بدرجات مختلفة، طبقتان منها تتبعان القصر في كل شيء، وهو ما يضيق الخناق على المجال الحيوي للأحزاب السياسية.
هناك طبقة الفلاح أو البروليتاريا وهي طبقة المغرب غير النافع، كما كان يطلق عليه أيام الحماية أو بلاد السيبة قبل ذلك، والتي تقضي سنوات حياتها محاصرة في أعالي الجبال تنتظر الإعانات من القصر أو الجيش الملكي، فتعيش بهما وتظل تسبّح صباح مساء بحمدهما، ثم طبقة الأغنياء أو ما يطلق عليه هنا الفاسيين، وهي طبقة تسيطر على الشركات الكبرى بالبلاد وتعيش مع القصر ونجاحها متصل بنجاح القصر وغضبة ملكية من هنا أو هناك تقصي أي فرد منتمٍ لهذه الطبقة يحاول الخروج عن الخط المرسوم، وهي طبقة بكل ما لها من سلبيات أعطت المغرب في السنين الأخيرة العديد من الإيجابيات، وعلى رأسها أنها منحته قوة ضرب مالية، بنكية وصناعية، أثبتت نجاحها في الجولات الملكية بإفريقيا، وهي تشبه لحد كبير كبار الملاك بروسيا، ذلك التجمع الذي قام بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتقوى بوصول الرئيس بوتين للقمة.
طبقتان قويتان، واحدة تتميز بتعدادها السكاني، والأخرى قوية برصيدها البنكي، لا حياة لهما بعيداً عن القصر، وتستقلان بنفسيهما عن كل لعبة سياسية فلا يسار يستطيع أن يقنع علية القوم بالانضمام إليه ولا يمين، يستطيع أن يزيح ثقة الفلاح في القصر، فلا يبقى للأحزاب السياسية المغربية إلا طبقة وسطى لا يمكن مقارنتها من أي جانب بسابقتيها تمثل المزرعة التي تستقطب منها الأحزاب ناشطيها؛ ليدخلوا في ديمقراطية مغربية خاصة بالطبقة المتوسطة لوحدها.
ويبقى عليةُ القوم يعيشون في نظام اقتصادي مديره التنفيذي هو القصر، وتبقى الطبقة السفلى تعيش في نظام مولوي، يكون فيه القصر هو السلطان.
فلمَ كل هذه الأموال لإرضاء عيون ناخبي الطبقة المتوسطة؟ وكيف فشلت الكوادر السياسية في البلوكاج الحكومي حتى في تحقيق آمال هذه الطبقة؟ وإن كنت أتساءل: لماذا حزب القصر هو أفضل خيار متاح؟ لنا عودة في الجزء الثاني لمعرفة ذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.