أشاح بوجهه عني لم يكن كعادته يستقبلني بتحيته الصباحية ليخبرني عن آخر الأخبار، حين كان يضحك منتشياً وهو يقول لي لقد أحرجهم عبد الإله بنكيران، انظري إلى هذا المقال، لم تكن علاقته بحزب العدالة والتنمية علاقة مواطن عادي بتنظيم سياسي كان يعتبره حزباً جاء ليصالحه مع السياسة التي هجرها لسنوات.
فارقته ابتسامته هذا الصباح، وأنا أحاول أن أسأله عن رأيه في تشكيل الحكومة الجديدة، رفض النقاش وسرح بعينيه بعيداً عني.. في نظراته هذه المرة انكسار عميق، انكسار رجل درويش كان يتلهف في السابق لمشاهدة الجلسات الشهرية التي تخصص للأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران آنذاك.
كان يصغي لخطابات رئيس الحكومة ويحفظ تصريحاته لتوظيفها في نقاشاته اليومية مع زملائه في السوق وأصدقائه وأنا، لا يتردد في قوله لي إن هذا الرجل نزيه ويحارب بشراسة لأجل الدراويش، كان يحكي لي في أحد لقاءاتنا عن إحساسه بالسعادة لوجود أناس من طينة زعيمه المفضل.
لكن الحاج محمد، اليوم، قرر أن ينأى بنفسه عن كل شيء ويعود إلى عزلته قبل 2011، يرفع من صوت المذياع ليرتمي بين أحضان الزمن الجميل، لعله يجد ضالته هناك بعدما أضحى كل شيء من حوله يثير امتعاضه.
ورغم أنني كنت أختلف معه وأعتبر أن إيمانه الأعمى بذلك التنظيم يجعله لا يرى منطق الأشياء، فإنني اشتقت إلى رؤيته متحمساً يدافع عن حزبه ورئيس حكومته، يجادل ويضحك وهو يحكي عن حكايات بنكيران، يغضب مني عندما أعترض على أفكاره ويصفني بأنني "لا أفهم شيئاً في السياسة فهناك تحكم يسيطر على الوضع السياسي، وأن هذا الحزب جاء ليواجه القوة الثالثة".
كانت النقاشات التي تجمع بيني وبينه عقيمة غير أني كنت أستمتع وأنا أزيد من عصبيته إلى أن يلتف الباعة المجاورون له في السوق علينا، وبعد ذلك يلجأ إلى دعابته لتهدئة الوضع وإعادة الأمور إلى طبيعتها، أحاديثه في السياسة تجعل المرء يفتخر بوجود حزب أنزل السياسة إلى الشارع، وأصبح أغلب الدراويش يعرفون "صندوق المقاصة والتحكم والتماسيح والعفاريت".
لم أستطِع أن أتركه لوحده، وقررت أن أجلس بجواره أستسيغ السمع إليه، أجس نبض حزنه، كنت أحاول أن أستفزه لعله يبوح لي بما يدور في خلده الآن، صرخ قائلاً إن السياسة تشبهها "فهي خائنة تواعدها بصدق وتبيعك لمن يدفع أكثر".
الخيانة في ماضي الحاج محمد لم تقتصر فقط على حزبه الإسلامي الذي صدقه، بل هي أبعد من ذلك، هي زوجته اليسارية التي عشقها في ستينات وآمن بقوتها وصدقها، لكنها تركته يتخبط في واقعه لتسلم نفسها لرجل يمنحها ما يعجز الدرويش عن تقديمه، خانته زوجته اليسارية التي كانت يوماً ما تدافع عن العدالة الاجتماعية، وأن من حق الدرويش أن تكون له زوجة جميلة مثقفة مؤمنة بقضيته تناضل لأجله.
لكن قارئة الرأسمال لماركس وأصل العائلة والملكية الخاصة لدولة لفريدريك إنغلز، غيَّرت مبادئها لتكون على مقاس مرحلتها الجديدة؛ حيث لا صوت يعلو على صوت المصالح؛ ليبقى الحاج محمد مستكيناً في ركنه يشرب الشاي الأخضر، ويسافر إلى الزمن الجميل، بعدما ضاقت الحال، وبات دوام الحال من المحال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.