أنا عائد إلى حيفا

إن حيفا بعيني زائر أو سائح ليست سوى حيفا ناقصة مجتزأة ومنتقاة، فحدائق البهائيين رغم إطلالتها الأخاذة وجمالها الغامر، فإنها تحجب عن عيوننا نصفاً آخر متوارياً وراء حجاب، أما التحفة الفنية (حي الألمانية)، فإن نجا من يد التطهير العرقي سنة النكبة، فقد طالت اليد ذاتها أترابه من الأحياء المجاورة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/25 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/25 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش

نحن في حل من التذكار
فالكرمل فينا، وعلى أهدابنا عشب الجليل
لا تقولي: ليتنا كالنهر نركض إليها، لا تقولي
نحن في لحم بلادي، وهي فينا!

لا أعرف، كل ما أعرفه أن سعيد فهم الدرس مبكراً يوم وطئ حيفا، وقال لزوجته صفية لحظتذاك: "إنك لا ترينها، ولكنهم يُرونها لك".
ثم جاء سبتمبر/أيلول 2016.. هذه المرة عُدت إليها، ورأيتها سافرة بدون ميك آب!
طرنا على جناحي (تجوال سفر) إلى الكبابير، ومنه هبطنا إلى السفح عبر وادي السياح؛ حيث تملأ رائحة البحر أنفاسك، ثم كان حي المحطة محاصراً بين مطرقة سكة القطار وسنديان الميناء، فيضبط أهله تفاصيل حياتهم على ذوق صفارات القطار.

أما وادي الصليب، فيحكي قصة لصوص وقحين، فيهود الشرق الذين رأوا أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية في الدولة الوليدة لم يعجبهم الحي، وكانت بلدات التطوير بانتظارهم، وهذه البنايات العجوز تروي بوقار قصة نكبة صامتة تقودها "عميدار" الآن في العتمة والظلال.

ومن الحليصة ننتهي في أكبر أحياء حيفا العربية في الحاضر، فتنهال في الذاكرة قصص علاها الغبار، وتُركت للصدأ والنسيان، كيف حُشرت البقية الباقية من أهل المدينة في علبة سردين اسمها "وادي النسناس"؟ وكيف أفلتت حيفا من أيدينا؟!

كيف قطعت عملية (المقص) أوصال حيفا إرباً إرباً؟! ثم كان (الخبز المختمر) حيث استوحت عصابات الهاغاناه خروج بني إسرائيل من مصر في سبيل طرد أصحاب البلاد، الذين كانوا ملح الأرض صاروا خميرها !

في وجه حيفا الآخر نعود إلى التاريخ، فتعود إلينا الجغرافيا، فأقول – وألاحظ لنفسي أني استوطنت مكان صفية – كلمات غسان كنفاني على لسان سعيد.س: "هذي هي حيفا يا يوسف!".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد