بلغت أحجام العقود لبيع السلاح والعتاد الأمني التي وقعتها إسرائيل في عام 2012 ما قيمته 7,5 مليار دولار، وعادة لا تفصح إسرائيل عن أسماء الدول التي تشتري أسلحتها وعتادها، لكن بحسب تقارير فإن جزءاً من هذه المبيعات يذهب إلى القارة الإفريقية وبعض الدول الآسيوية بما مجموعه 3,9 مليار دولار، وكذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية وكندا قد اشترتا منتجات حربية إسرائيلية بقيمة مليار دولار، وتم تصدير ما قيمته 645 مليون دولار إلى دول في أميركا اللاتينية، وتعتبر إسرائيل واحدة من الدول العشر الأكبر المصدرة للسلاح في العالم.
فما هي قصة الصناعة العسكرية الإسرائيلية التي أصبحت من أهم ركائز الاقتصاد الإسرائيلي، وتحولت معها إسرائيل إلى واحدة من أشهر الدول المصدرة للأسلحة والعتاد العسكري؟
ساد نقاش حاد في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية بعد حرب عام 1967 بسبب المواقف التي اتخذتها بعض الدول الغربية التي كانت تصدر الأسلحة إلى إسرائيل بجانب العرب، فظهرت فكرة أهمية الصناعات الوطنية العسكرية وعدم الاعتماد على الخارج، ولم تكن المؤسسة العسكرية راضية عن فكرة التصنيع المحلي، إلا أن القيادة السياسية الإسرائيلية أصرت على المضي قدماً بمشروعها "الاكتفاء الذاتي"، وهكذا قطعت صناعة الأسلحة في إسرائيل خطوات متعثرة بداية، إلى أن تحولت إلى جزء مهم من العقيدة الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية، وكانت الأهداف التي حددتها إسرائيل في بداية تصنيعها العسكري هي أهداف متعلقة بأمنها القومي باعتبارها دولة موجودة في وسط غريب ومعادٍ.
حين بدأت إسرائيل التفكير بتصدير إنتاجها العسكري من أسلحة وعتاد، لم تنظر فقط إلى المنافع التجارية، بل قامت بربط تصدير السلاح بأهداف استراتيجية تحقق لها مكاسب متعددة، فبدأت بعلاقات سرية مع عدد من دول القارة الإفريقية، وكانت علاقتها مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا نموذجاً للمفاهيم الإسرائيلية في كيفية الاستفادة من الصناعة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية أمنية دعائية ومخابراتية، لكن في أواسط السبعينيات من القرن العشرين، بدأت تجارة الأسلحة في إسرائيل تأخذ منحى اقتصادياً في تصديرها للخارح، وبقيت هذه التجارة طيَّ الكتمان.
في بداية الثمانينيات من القرن العشرين بدأت تتصاعد الصناعات العسكرية الإسرائيلية وتتطور، ودخل القطاع الخاص بقوة في هذه الصناعة التي بدأت تحقق مزيداً من الأرباح، فتم تأسيس مئات الشركات المتخصصة في الصناعات الحربية، ومع سقوط الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات من القرن العشرين قفزت الصناعات العسكرية الإسرائيلية قفزة كبيرة، فقد وصلت نسبة تصدير الأسلحة الإسرائيلية حوالي 25 في المائة من قيمة إجمالي الصادرات الإسرائيلية كلها، وذلك نتيجة للنقص في سوق السلاح الذي أحدثه غياب الاتحاد السوفييتي، واضطرار كثير من الدول التي كانت تعتمد على السلاح الروسي إلى أن تبحث عن بدائل.
إن قدوم عدد كبير من اليهود الروس على أثر انهيار الاتحاد السوفييتي، ووجود عدد مهم من أصحاب الخبرات والكفاءات العالية في التصنيع العسكري، جعل إسرائيل تقدم نفسها كطرف قوي ومهم في سوق الأسلحة، هذه السوق التي استطاعت إسرائيل عبرها أيضاً ربط تصدير الأسلحة بإقامة علاقات دبلوماسية معها لفك عزلتها الدولية.
وقد استخدمت إسرائيل تجارة السلاح ورقة ضغطت من خلالها على دول عديدة في مقاربتها لصراعها مع العرب، فقد لوحت إسرائيل بتقديم مساعدات عسكرية لبعض الدول الإفريقية مقابل تغيير موقف هذه الدول التي كانت متضامنة مع القضية الفلسطينية، وساومت دولاً أخرى كانت تسعى لامتلاك السلاح الإسرائيلي على بعض الملفات، وقامت بابتزاز دول أخرى، وعقدت صفقات منفعية متبادلة مع بعض الدول الأخرى، أي السلاح الإسرائيلي مقابل تسهيلات مخابراتية أو لإقامة قواعد عسكرية، أو للتنقيب عن اليورانيوم، أو البحث عن الألماس من قِبل الشركات الإسرائيلية.
بعد اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، واتفاقية وادي عربة بين إسرائيل والأردن، ارتفعت كثيراً الصادرات العسكرية الإسرائيلية لعدد أوسع من الدول التي كانت سابقاً متضامنة مع قضايا العرب، لكن رأت هذه الدول أن العرب أنفسهم منخرطون في علاقات مع إسرائيل، قامت هذه الدول بإسقاط آخر أسباب مقاطعتها لإسرائيل.
ولقد تطورت وتوسعت صناعة الأسلحة في إسرائيل لتصبح ركيزة هامة من دعائم الاقتصاد الإسرائيلي، بل إن الفترة الممتدة من بداية تسعينيات القرن العشرين ولغاية النصف الأول من العقد الأول من الألفية الثالثة كانت فترة عنوانها الاقتصاد العسكري الإسرائيلي؛ إذ قامت إسرائيل بتصدير الأسلحة والعتاد الحربي والأجهزة والمعدات الأمنية إلى كل من القارة الإفريقية بشكل رئيسي،
على صورة تعاقدات سرية وبعضها كان علنياً، كما قامت بتصدير السلاح إلى كل من الهند والصين، وقامت إسرائيل بتوفير الأسلحة للجماعات والأطراف في مناطق النزاعات والحروب الأهلية والصراعات الطائفية، التي عادة تخشى الدول المنتجة والمصدرة للأسلحة من شحن أسلحتها إلى مثل هذه الأسواق التي يحاسب عليها القانون الدولي، لكن إسرائيل التي تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية قامت وتقوم بتصدير أسلحتها وتضعها بين أيدي هذه الجماعات حين ترى أن ذلك يخدم أهدافاً لها ويحقق مصالحها.
في السنوات الأولى من الألفية الثالثة تراجعت نسبة الصادرات العسكرية السنوية في إسرائيل التي كانت في فتراتها الذهبية تشكل ربع الصادرات، تراجعت إلى حدود 3 في المائة، لكن قبل أن نتسرع في الاستنتاجات يجب أن نعرف أن هذا التراجع في الدور الاقتصادي الهام الذي كانت تحتله صناعة الأسلحة وتجارتها، إلا أن السلاح الإسرائيلي له وظائف أخرى متعددة ومتشابكة، فالسلاح من جهة قد ساهم في توسيع وتعزيز علاقات إسرائيل الدبلوماسية مع عدد من الدول، في مقدمتها الدول الإفريقية، وكان السلاح أيضاً -كما أسلفنا- عنصراً تستخدمه إسرائيل للضغط والابتزاز على بعض الدول لتغيير مواقفها من القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي،
وفعلاً قامت كثير من الدول بتغيير مواقفها وسياساتها من هذه القضية مثل الهند وبعض الدول في إفريقيا، ودول أخرى كانت تتضامن مع الفلسطينيين والعرب ضد إسرائيل أصبحت إما في الخندق المقابل، أو أنها على الأقل أصبحت تمتنع عن دعم القرارات التي تدين إسرائيل في المحافل الدولية، وبعضها فضل اتخاذ موقف الحياد، وكل هذا يشكل تحولاً كبيراً وخطيراً بمواقف هذه الدول، وهذا ما كان ليتحقق لولا حاجة هذه الأطراف للسلاح الإسرائيلي، وقدرة إسرائيل على توظيف إنتاجها العسكري في خدمة سياساتها الاستراتيجية.
منذ عام 2006 بدأ مؤشر مبيعات الأسلحة الإسرائيلية يرتفع بشكل ملحوظ، ففي عام 2011 بلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية من الأسلحة ما قيمته 6,5 مليار دولار، وفي عام 2012 بلغت الصادرات 7 مليارات دولار، وفي عام 2013 بلغت قيمة الصادرات حوالي 6,54 مليار دولار، وبحسب بيانات وزارة الدفاع الإسرائيلية فإن هذا التراجع الطفيف عن عام 2012 يعود أساساً إلى الاتجاه العام لخفض الموازنات الدفاعية وبرامج الإنفاق الدفاعي الكبرى في الأسواق الرئيسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا.
في عام 2014 زادت ميزانيات الدفاع في القارة الأوروبية بنسبة 8,3 في المائة، نتيجة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ونتيجة لسلسلة هجمات شنها مسلحون في فرنسا وفي عدد من الدول الأوروبية، ومع تدفق موجات اللاجئين من الشرق الأوسط، أدى هذا كله إلى ارتفاع جلي في هذه الميزانية نتيجة رغبة هذه الدول بتحصين دفاعها وأمنها في وجه المخاطر الجديدة؛ لذلك انتعشت أكثر تجارة الأسلحة الإسرائيلية ومن ضمنها العتاد الحربي والمنتجات ذات الاستخدام الأمني، فبلغت المبيعات الإسرائيلية ما قيمته 7,5 مليار دولار، وهناك مراكز أبحاث تحدثت عن حوالي عشرة مليارات دولار، وحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية التي كشفت أن 29 دولة تستورد الأسلحة المتنوعة من إسرائيل، أبرزها: الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وإسبانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وكينيا وبيرو وأوغندا.
حتى إن الأسلحة الإسرائيلية قد وصلت إلى عدد من الدول العربية، ويجري تصدير السلاح الإسرائيلي إلى هذه الدول العربية بشكل سري من خلف السواتر، ففي برنامج للقناة الثانية الإسرائيلية استعرضت فيه تقريراً عن تجارة الأسلحة في إسرائيل كونها واحدة من أهم مصدري السلاح في العالم، هذا التقرير نشر على موقع القناة في العاشر من سبتمبر/أيلول في عام 2015، وذكر التقرير أن إسرائيل تبيع السلاح إلى دول عربية ومنها دول عدوة، وذكر الصحفي الإسرائيلي شاي ليفي المتخصص بالشؤون العسكرية ويعمل في القناة الثانية الإسرائيلية، أنه على الرغم من السرية المفروضة من جانب الدولة، ومن جانب الشركات الإسرائيلية المصدرة للأسلحة عن الوجهة التي تصدر إليها، فإن معظم المبيعات للدول العربية هي المعدات الإلكترونية وأجهزة الاتصالات والتشويش والمراقبة.
تصدير الأسلحة الإسرائيلية إلى عدد من الدول العربية دفع الكاتب الإسرائيلي والنائب السابق في الكنيست أوري أفنيري إلى القول في وصف علاقات هذه الدول مع إسرائيل: "إن إسرائيل في وضع العشيقة بالنسبة للعرب، فالأنظمة العربية تدير قصة حب معها، لكنهم لا يرغبون في الظهور معها علانية منعاً للإحراج".
أما فيما يتعلق بحصة القارة الإفريقية من هذه التجارة الرابحة لإسرائيل فبلغت في عام 2009 ما قيمته 71 مليون دولار، ارتفعت هذه الصادرات إلى 77 مليون دولار في عام 2010، ثم زادت الصادرات الإسرائيلية إلى الدول الإفريقية في عام 2011 ما قيمته 127 مليون دولار، وفي عام 2012 انخفضت الصادرات إلى حدود 107 ملايين دولار، لتعود للارتفاع في عام 2014 بقيمة 318 مليون دولار، بزيادة حوالي 40 في المائة عن عام 2013.
ــــــــــــ
المصادر:
– تقارير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.
– تقارير معهد التصدير الإسرائيلي.
– تقارير شركة بروست أند ساليفان.
– صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.