الموصل الحدباء والبؤس الإنساني

الموصل بكل ماضيها البطولي، وجذرها الضارب في عمق التاريخ من لدن آشور بانيبال وسنحاريب، مروراً بمختلف الحقب الآشورية والبابلية والهلينية، مروراً بالحقب المسيحية والإسلامية، وعهدها الذهبي مع الأمويين، تعيش الآن واقعاً مريراً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/21 الساعة 04:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/21 الساعة 04:31 بتوقيت غرينتش

يعود تاريخ الوجود الإنساني في المدينة الأثرية إلى ما قبل العصور الحجرية بما يقرب من 6000 عام قبل ميلاد يسوع الناصري؛ حيث استطاب للإنسان المكوث بتلك السهول الممتدة إلى الشرق من مدينة الموصل الحالية؛ لخصوبة أراضيها، وكونها طريقاً للقوافل التجارية العابرة.

وترجع تسمية الموصل في العربية إلى الوصل، ذلك أنها وصلت بين دجلة والفرات، وقيل غير ذلك.

الموصل بكل ماضيها البطولي، وجذرها الضارب في عمق التاريخ من لدن آشور بانيبال وسنحاريب، مروراً بمختلف الحقب الآشورية والبابلية والهلينية، مروراً بالحقب المسيحية والإسلامية، وعهدها الذهبي مع الأمويين، تعيش الآن واقعاً مريراً.

فبحسب التقارير التي ضجَّت بها وكالات الأنباء والصحف والدوريات العالمية، فإن أكثر من 200 ألف نازح عراقي من مدينة الموصل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بسبب المعارك الدائرة بين الجيش العراقي والقوات المساندة له، وبإسناد من طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة، وتنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى، وأضحت الموصل الحدباء ساحة تتراكم عليها كل قذارات ومخابرات الكون، فصارت الرحى وأهلها الحبوب التي تطحن بنيران هذه الأطراف المتنازعة بين خليفة متوهّم وبين رئيس لا يعنيه أمان شعبه، بقدر ما يعنيه البقاء على كرسي السلطة، وضمان أكبر قدر من الوزارات ضمن المحاصصات الطائفية لحزبه، طائفي المنبت عن واقع العراق والموصليين!

واقع الحال في منطقتنا العربية، فإن التقرير الحكومي هو عمدة الأحكام وحتى فهذا التقرير الذي ذكر أن عدد نازحي مدينة الموصل لم يتجاوز 145 ألف شخص منذ انطلاق العمليات العسكرية قبل نحو شهرين ونصف، فقدَّس الله سر حكومة لا يتشرد من مواطنيها سوى 145 ألف موصلي!

لكن الحقيقة المرة التي لا يمكن أن يحجب التقرير الحكومي ضوأها بغبار أكاذيبه، هي أن أكثر من 200 ألف نازح من مدينة الموصل يعيشون أوضاعاً مزرية، أقل ما توصف به بأنها مأساوية، فالقهر هو القاسم المشترك لكل نازحي الموصل، وانعدام المواد الإغاثية والخبز والدقيق والزيت ومعينات العيش، والنقص الحاد في المواد الطبية هو القاسم المشترك بينهم، والسمة العامة لتلك الخيام.. وقديماً قيل المساواة في الظلم عدالة!

الصمت الغريب تجاه ذبح أهل الموصل تارة بسكين الخليفة المتوهم وأخرى بيد جهات أخرى إقليمية ودولية ستكون له نتائج كارثية على اللُّحمة الوطنية التي اتسع فتقها من دون أن يكون لها راتق حتى الآن.

وإذا ما صلبت مدينة عراقية في الوسط والجنوب مستقبلاً على أيدي الدواعش أو غيرهم فلن تتداعى لنجدتها تكريت أو صلاح الدين ونينوى، كما كانت تفعل عبر التاريخ، فلقد ألمَّ بها ما يشغلها عن ذلك وﻻتَ حين مندم!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد