"أكملت عقدي الثلاثين ولم أجد عملاً بعد، أنا عاطل أو معطل، كما يحلو للبعض أن يقول؛ لذا قررت أن أسلك الطريق الأسهل"، هكذا كان جواب المختار في مخفر الشرطة حين سأله الضابط عن طبيعة العمل الذي يقوم به، الكوتش المختار كله ثقة وحضور، يجيب عن الأسئلة الموجهة إليه، وكأنه لا يزال يحاضر في دورة تكوينية كالتي يقدمها في المعاهد.
المختار متهم بالنصب والاحتيال على مجموعة من نسوة الحي، أوهمهن بأن دروسه في الطاقة والبرمجة اللغوية العصبية ستجعلهن من علية القوم في غضون أسابيع، وهن لا يستطعن فك شفرة اللغة حتى، وفي المقابل أخذ منهن مبلغاً محترماً، وبعد انقضاء المدة المحددة للتكوين، وجدن أنفسهن بخفي حنين.
كان الكوتش ماهراً في اصطياد فرائسه، فلغته الخشبية والمنمقة أحياناً، تساعده على إقناع الزبائن، ما جعله يلبس جبة المنقذ، ويصول ويجول بهندامه الأنيق وحقيبته الجلدية على المؤسسات التعليمية الخاصة وبعض المراكز والجمعيات، مستغلاً حاجة الناس وطمعهم في الاغتناء بأسهل الطرق، وبعد محطات عدة، وقع المختار في يد الشرطة بسبب شكايات وضعت لدى مصالح الأمن جعلت الضابط يضعه تحت الحراسة النظرية، قبل الخروج بكفالة، مع إرجاع كل المستحقات للمطالبين بالحق المدني.
الكوتش المختار هو واحد فقط من بين الكثير من الأشخاص الذين ينتحلون صفة المدرب، أو المطور، أو المكون… إلى غير ذلك من الأسماء، أغلبهم لم يكملوا دراساتهم واختاروا السبيل الأيسر للكسب، فأصبحت هذه المهنة موضة العصر ومهنة من لا مهنة له.
كنت على متن القطار الرابط بين مدينة القنيطرة والدار البيضاء، وبينما أنا جالس أتصفح إحدى الجرائد، مال سمعي للجهة المقابلة، حيث تتبادل مجموعة من الشبان أطراف الحديث حول موضوع "الطاقة وقانون التجاذب"، ونظراً لضعف خبرتي في هذا المجال اخترت الإنصات عن بعد، كان الشبان متحمسين جداً وهم عائدون من إحدى الدورات التكوينية التي دامت يومين، وكان فحواها عن نفس الموضوع، يقول أحدهم: "أنا على يقين أنه في غضون شهرين سأصبح كوتش بدون منازع، وسأقوم أنا كذلك بدورات تدريبية وأفتح مكتباً خاصاً بي".. في حين فضل زميله الامتعاض من حفل الشاي ووجبات الأكل التي لم تكن في المستوى المطلوب خلال هذه الدورة، على حد قوله، هؤلاء الشباب أحيوا في ذكريات مر عليها قرابة عشر سنوات، تذكرت جيداً الضجة الإعلامية التي أشعلها آنذاك المدرب المصري الراحل "إبراهيم الفقي"، في برنامجه اليومي على إحدى القنوات الفضائية، كنت أعود مسرعاً من الكلية، لكي لا أفوت حلقة الدكتور التي كانت بمثابة جرعة الأمل والمتنفس الوحيد للاستمرار وعدم التراجع، كان الفقي مؤثراً بعباراته العجيبة، ومصطلحاته الهجينة والجديدة على مسامعنا، بالإضافة إلى كونه حاملاً لشهادة الدكتوراه في مجال التنمية البشرية،
فمحاضراته كانت بمثابة منشطات "الدوباج" التي يتعاطاها الرياضيون لتصدر السباقات، ثم العودة للخمول بعد كل استحقاق رياضي، بعدها مباشرة تناسل القادة والمطورون والمدربون على القنوات وفي المدارس والجمعيات والأندية، وانهالوا علينا بإصداراتهم الكثيرة، المكسوة بحلة مُلونة وصور مأخوذة من النت لرجال يُواجهون المصاعب بحماس وابتسامة لا تُغادر مُحياهم، وبعض العناوين الأخاذة من قبيل: "كيف تسيطر على العالم؟ – كيف تصبح قائداً؟ – مفاتيح الشهرة – مفاتيح الغنى"، بل تمادوا في أمرهم، وجعلوا من التعلم في سنوات حصيلة يُدركها المُتعلم في غضون أيام، فأصبحنا نرى عناوين للكتب من قبيل: "تعلم اللغة الإنكليزية في خمسة أيام"، بالطبع هي مواد استهلاكية لسوق الكسالى من القوم الذين يريدون أكل الثمار دون عناء.
حينما أسس السياسي واللغوي الأميركي الشهير "نعوم تشومسكي" مدرسته التوليدية التحويلية التي شكلت طفرة في مجال علم النفس السلوكي منتصف السبعينات لم يتوقع أن تصبح نظرياته تُستعمل للنصب والاحتيال؛ حيث يمكن لأي شخص أن يشارك في دورة تكوينية لا تتعدى مدتها 48 ساعة؛ ليصبح بعد ذلك "مصباح علاء الدين"، وصاحب الحلول السريعة، الذي يعالج بخط الزمن، ويستطيع قراءة كتاب في بضع دقائق، أو تعلم لغة في أيام معدودات، بالإضافة إلى تنمية المهارات، وشحذ الطاقات وغيرها من التطبيقات التي تتكرر على مسامعنا كلما صادفنا برنامجاً على الشاشة، أو عند حضورنا للملتقيات الفكرية التي تعنى بهذه العلوم الزائفة كما يسميها بعض مُنتقذيها، توجيه بسيط إليك صديقي الكوتش: أوراقك كشفت، غيّر المهنة، فقد انفرط عقدها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.