مؤخراً، ظهر فيديو جديد حول قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، قام بتصويره سرّاً نقيب الباعة الجائلين في القاهرة، محمّد عبد الله، ويظهر في الفيديو الضحية جوليو وهو يرفض إعطاء المال لعبد الله.
تقول صحيفة Il Manifesto الإيطالية أن نشر هذا المقطع بغية إظهار الدوافع الانتقامية لنقيب الباعة الجائلين بعد أن رفض ريجيني إعطاءه المال، إلا أن هذه التمثيليّة التي يقف وراءها النظام المصري تحاول كالعادة التستر على مغالطات الحكومة والشرطة المصريّة.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن تصوير هذا الفيديو تم في مساء السادس من كانون الثاني/يناير، ويظهر من خلاله وجه جوليو ريجيني وهو يغطي جزءاً كبيراً من الشاشة، وصور هذا المقطع عن طريق كاميرا سريّة كان يحملها محمّد عبد الله. وقد دار هذا اللقاء في سوق أحمد حلمي في القاهرة.
وتشير الصحيفة إلى أنه لأول مرّة منذ وفاته، سمع الجميع صوت جوليو، وشوهد وهو يحاول السيطرة على أعصابه والتصدّي لطمع محمّد عبد الله، الذي قام بالوشاية به لدى الشرطة المصريّة، مدّعياً أنّه جاسوس (وقال لاحقاً بأنّه فخورٌ بما فعله)، في المقابل.
وتؤكد الصحيفة أن ظهور الفيديو يظهر كيف أن آثار تدخّل السلطات المصريّة واضحة إذ تهدف بالأساس لتضليل العدالة.
كاميرا تجسس
الصحيفة أكدت أن خبراء ومحقّقين إيطاليين قاموا فور انتشار الفيديو بتحليله ليكتشفوا أنه تمّ تصويره بكاميرا تجسّس قامت بتوفيرها الأجهزة الأمنية المصريّة وليس بواسطة هاتف شخصي كما روج له، وأنه من المرجح أن السلطات الأمنية المصرية قد قامت بإخفائها بين أزرار قميص محمّد عبد الله، وتمكّنت من خلالها من تصوير اللقاء طيلة ساعتين، وهي فترة طويلة نسبياً لا يمكن لهاتف محمول تصويرها.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، أعلم المدّعي العام بالقاهرة، نبيل صادق نظراءه في روما بأنّ الشرطة المصريّة قد حقّقت في قضية ريجيني لثلاثة أيّام فقط، بداية من السابع من كانون الثاني/يناير، ثم لم تواصل البحث في حيثيات القضيّة.
وأشارت صحيفة المانيفستو، في مقال نشرته في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى أن المدّعي العام في روما تساوره شكوك قويّة بخصوص الواقعة، خاصة بعد أن شاهد المحقّقون الإيطاليون مقطع الفيديو الذي نشرته السلّطات المصريّة مؤخراً، مما زادهم يقيناً من أن الشرطة المصرية لعبت دوراً محورياً في الحادثة التي تعرّض لها ريجيني.
معلومات بحثية
ومن جهة أخرى، يكشف هذا الفيديو الذي أريد من خلاله إثارة الشكوك حول نوايا الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، حالة الطمع والفساد التي كانت المحرك الرئيس لدوافع نقيب البائعين محمّد عبد الله، الذي سعى بكل الطرق للحصول على مبلغ مالي لنفسه بعلّة حاجة عائلته له، إلا أن موقف ريجيني كان صارماً.
وفي هذا الصدد، قال ريجيني متحدثاً لمحمد عبد الله "لا يمكنني أن أستعمل المال لأغراض أخرى باستثناء البحوث الأكاديمية، أنا باحث ومهتم فقط بمواصلة العمل الذي أقوم به".
وأضاف ريجيني "حتى أحصل على تمويل من المؤسّسة البحثيّة البريطانية، يجب أن يكون هناك برنامج عمل واضح، أي أن أمدهم بأفكار ومعلومات حول دور النقابات العمّاليّة وأهميّتها، قبل شهر آذار/مارس".
ومن الواضح أن المعلومات التي أدلى بها ريجيني تتعلق بالأساس بسير البحث الأكاديمي، وليست معلومات استخباراتيّة قد تفيد جهات أجنبيّة.
ومن الواضح أن نشر الفيديو في هذا الوقت بالذات لم يكن اعتباطياً، حيث ظهر الفيديو قبل يومين من الذكرى السادسة لاندلاع الثورة المصرية التي انطلقت من ميدان التحرير، فضلاً عن مرور سنة على موت جوليو ريجيني. وبالإضافة إلى ذلك، نشر الفيديو بعد يوم فقط من مشاهدة لجنة التحقيق المشتركة بين مصر وإيطاليا لصور من كاميرات المراقبة الموضوعة في الحي الذي كان يعيش فيه ريجيني في الدقّي (وهي صور سلّمتها السلطات المصريّة بعد وقت طويل من المماطلة والنفي).
وفي الحقيقة، تشير كل هذه العوامل إلى أن السلطات المصريّة تسعى هذه المرّة لتحريك القضيّة في اتجاه معيّن.
"إبعاد التهمة عن الشرطة"
وفي الأثناء، يسعى الجانب المصري من خلال هذا الفيديو لإبعاد التهمة عن أجهزة الشرطة، حيث إن هذا المقطع يهدف لإظهار نقيب الباعة الجائلين محمّد عبد الله على أنه هو السبب وراء فتح التحقيق حول ريجيني، وأن دافعه في ذلك كان الانتقام منه لعدم إعطائه المال.
وقد أشارت وكالة الأنباء الإيطالية البارحة إلى أنّ نشر مقطع الفيديو في وسائل الإعلام العمومية جاء بأمر مباشر من المدّعي العام نبيل صادق.
ومن ناحية أخرى، أعلنت وكالة الأنباء المصريّة الحكومية يوم الأحد الماضي، أخباراً جديدة عن تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة، وأكّدت أيضاً على أن السلطات المصريّة فقدت الاهتمام بقضية ريجيني بعد ثلاثة أيام فقط من التحقيق في هذه المسألة، إثر توصّلها إلى أنه لا يمثّل تهديداً للأمن القومي.
ومن الملفت للنظر أن هذه الأخبار لم تكن من قبيل الصدفة، إذ أن كل هذه المعطيات تصب في مصلحة السلطات الأمنية المصرية التي تريد تبرئة نفسها.
وتشير الصحيفة إلى أنه خلافاً لذلك، فإن الادعاءات التي قدّمها الجانب المصري نسيت أو تناست أن وجود اتصّال أخير بين عبد الله وجوليو يوم 22 كانون الثاني/يناير. وعلى الأرجح، من يقف وراء هذا الاتصال هو المخابرات المصريّة.
ومن الواضح أن نظام الجنرال عبد الفتّاح السيسي، الذي قاد انقلاباً عسكريّاً في سنة 2013، يسعى مجدّداً لتضليل العدالة والتهرّب من المسؤوليّة السياسيّة التي يتحمّلها حول مقتل الطالب جوليو ريجيني، إذ أنه يحاول في كل مرّة تقديم كبش فداء لمغالطة المحقّقين الإيطاليّين، مثل نقيب الباعة الجائلين محمّد عبد الله، وقبله عناصر الشرطة الذين تم فتح تحقيق معهم في شهر آذار/مارس الماضي.
وعلى ضوء كل هذه المعطيات، لا تزال بعض أجزاء هذه الأحجية مفقودة أو تم إخفاؤها، بداية من المغالطات الأولى، حيث ارتكبت مجزرة في حقّ خمسة مصريّين أبرياء تمّ اتهامهم زوراً بتكوين عصابة لسرقة ممتلكات ريجيني وقتله، فضلاً عن المسرحيّة التي تم تنظيمها فيما بعد، إذ زعمت الشرطة المصرية أن وثائق القتيل تم العثور عليها في منزل أحد هؤلاء الضحايا.
ويبقى الدليل الأكثر أهميّة وسط كل هذه المغالطات، هو آثار التعذيب التي وجدت على جسد القتيل، والتي لا يمكن إنكارها.
"هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Il Manifesto الإيطالية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا".