منذ أن انتخب الشعب التركي زعيم حزب العدالة والتنمية "رجب طيب أردوغان" رئيساً للجمهورية التركية بالاقتراع العام المباشر للمرة الأولى، بنسبة 51.79 في المائة من أصوات الناخبين، والزعيم التركي يؤكد أنه لن يكون رئيساً للجمهورية كباقي الرؤساء الذين سبقوه، كما يؤكد في كل مرة توجّه له فيها المعارضة التركية تهمة الديكتاتورية،
أنه سيمارس جميع صلاحياته الدستورية إذا احتاج لذلك: "لقد تحركت حتى اليوم كرئيس للجمهورية، وفق ما يحدده ويأمر به الدستور، ولم أخرج أبداً خارج إطاره.. لم أتجاوز صلاحياتي الدستورية كرئيس للجمهورية".
صلاحيات رئيس الجمهورية في دستور 1981
صلاحيات رئيس الجمهورية التركية كثيرة ووازنة ومهمة منها:
مراقبة تطبيق الدستور وعمل أجهزة الدولة ومؤسساتها في انتظام، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويملك صلاحية دعوة البرلمان للاجتماع في أي وقت يرى فيه حاجة اجتماعه، ويوافق على القوانين أو يعيدها إلى البرلمان لمناقشتها مرة أخرى، ويحق له أن يعرض التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبي، وأن يرفع دعوى قضائية لدى المحكمة الدستورية لإلغاء القوانين والقرارات الحكومية، كما يملك صلاحية حل البرلمان لتجديد الانتخابات النيابية، وأن يدعو مجلس الأمن القومي للاجتماع ويرأس اجتماعاته، ومن صلاحياته أيضاً أن يعين رئيس الوزراء من بين أعضاء البرلمان ويكلفه بتشكيل الحكومة.
كما يحق لرئيس الجمهورية أن يرأس اجتماعات مجلس الوزراء، وأن يدعوه إلى الاجتماع تحت رئاسته في أي وقت يريده، مما يعني التدخل المباشر في شؤون السلطة التنفيذية وسياسة الحكومة.
أردوغان لم يكتفِ بالجلوس على كرسي الرئاسة
ومع تنصيبه في 11 أغسطس/آب 2014 رئيساً للجمهورية التركية، والرئيس "الطيب أردوغان" يمارس كثيراً من هذه الصلاحيات، فقد وعد وأوفى بأنه لن يكون كباقي رؤساء تركيا الأحد عشر السابقين.
وفي هذه أيام بدأت الجمعية العامة للبرلمان التركي مناقشة مقترح دستوري بشأن تغيير نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، بعد أن وافقت عليه اللجنة الدستورية في البرلمان نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، فكثر الحديث والنقاش حول حاجة تركيا لهذا المشروع الذي يهدف لنقل السلطة التنفيذية من رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية التركية، أي الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
مشكلة دستور انقلاب 1980
المتتبع للشأن التركي والناظر في الأزمات التي كانت تعيشها تركيا قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، يجزم بأن النظام السياسي البرلماني الحالي ودستور انقلاب 1980 كانا سبباً في كثير من المشكلات التي عاشتها تركيا في الماضي، وما زالت تعانيه من بعضها اليوم، كما يتبين له أن الأمر يحتاج إلى تغيير جذري، تغيير يتناغم مع ما وصلت إليه تركيا اليوم، ويتكامل مع إنجازات الشعب التركي في جميع الميادين والمجالات.
إن العوامل التي ستمكن تركيا من تحقيق رؤية 2023 كثيرة، منها ما هو اقتصادي وتجاري ودبلوماسي واجتماعي وسياحي وغيرها، لكن كل هذه العوامل المذكورة لن تكون فعالة ومؤثرة، دون نظام سياسي قوي مستقر يفصل بين السلطات الثلاث، ويتجنب التداخل في الصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية.
النظام الرئاسي بتركيا.. دفعة قوية لإتمام مشاريع رؤية 2023
لهذا كان إلحاح حزب العدالة والتنمية وقادته على تعديل الدستور وإقامة نظام سياسي رئاسي، فتركيا القوية المستقرة المستقلة تحتاج لنظام رئاسي، يجعل من رئيس الجمهورية رئيساً فعلياً للسلطة التنفيذية، ويفصل ما بين مختلف السلطات، عوضاً عن الصيغة الحالية للنظام السياسي التركي الذي يجعل من رئيس الجمهورية رئيساً شكلياً لا يمارس صلاحياته المهمة، ومن رئيس الوزراء رئيساً مقيّداً في كلّ تحركاته بالسلطة التشريعية، أي البرلمان.
حزب العدالة والتنمية يرى في النظام الرئاسي نفساً جديداً، وحصناً منيعاً، ودفعة قوية من أجل مواصلة الطريق لتحقيق مشروع "تركيا الجديدة" برؤيتها الاستراتيجية ذات المراحل الثلاث: (2023 – 2053 – 2071).
لا شك أن النظام الرئاسي في صالح تركيا والأتراك، يخدم مصالحهم ويحفظها، ويحميها من حلقة النار التي تحيط بها، ونظام يسهل إفشال كل المخططات التي تسعى لتطويع تركيا والأتراك.
نعم.. النظام الرئاسي كذلك ليس في مصلحة أعداء تركيا والشعب التركي، فهو إحدى معارك حرب الاستقلال التي يخوضها الأتراك منذ سنوات، وكسب هذه المعركة المهمة والمصيرية يعني استقلال تركيا عن القوى التي تسعى دائماً لجعلها "دولة وظيفية" تخدم أجندتها، ولبنة جديدة في بناء الاستقرار والتنمية والنهضة.
قال الرئيس التركي موضحاً ذلك باختصار: "ليس من مصلحتهم أن يتم تعديل الدستور التركي، ولكن التعديل من مصلحة تركيا.. نحن مع مصلحة تركيا ولسنا مع مصلحتـ(هم)".
فهل سيوافق الشعب التركي على هذا التعديل التاريخي والاستراتيجي في أبريل/نيسان المقبل؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.