أرقام كارثية تؤهل العراق لدخول موسوعة "غينيس" بحسب مسؤولين في مكتب بعثة الأمم المتحدة "يونامي" ببغداد.
على مدى أكثر من عقد مضى، تعرض العراق لأقسى عملية استنزاف ممنهجة لطاقاته البشرية، ما بات ينذر بتصحر البلاد من محتواه الإنساني ليفتقر إلى أهم مقومات ديمومته كدولة.
الانهيار الأمني، وانحسار الدور المؤسساتي، وتنامي سطوة الميليشيات المسلحة بمختلف مسمياتها، فضلاً عن تردي الأوضاع الاقتصادية، كل ذلك يتسبب في خسارة العراق يومياً نحو (500) من أبنائه.
الأرقام التي تفصح عنها بعثة الأمم المتحدة حول ضحايا العنف في العراق والتي لطالما تراوحت بين (2000) و(3500) قتيل وجريح شهرياً، هي إحصاءات تقديرية تمثل الحد الأدنى المطلق، بحسب المدير الإعلامي والمتحدث الرسمي باسم البعثة، سمير غطاس، الذي أكد وجود عراقيل في التحقق على نحو فعال من الأعداد دون أن يفصح عن طبيعة تلك العقبات.
أرقام تشير إلى أن نحو (100) شخص بين مدني وعسكري يلقون حتفهم يومياً في العراق، لدرجة أن مقبرة وادي السلام بمحافظة النجف (وسط العراق)، وهي ثاني أكبر مقبرة في العالم، ما عادت تتسع لدفن الموتى، ما دعا لتوسيعها حتى حاذت بمحيطها محافظة السماوة جنوباً.
أما من هم خارج الإحصاء، وتحديداً من يُطلق عليهم المختفون قسراً، فقد أكد تقرير لـ"المنظمة العربية لحقوق الإنسان" ومقرها لندن، أن العراق تصدر بعد سوريا قائمة الدول التي تعاني تلك الجريمة، حيث تعرض نحو (150) شخصاً للاختفاء القسري، وفقاً لإحصاءات غير رسمية لمنظمات حقوقية (لم تسمها) خلال السنوات الـ13 الماضية التي أعقبت الغزو الأميركي للبلاد في مارس/ آذار 2003. معظمهم فُقد خلال حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فيما بلغ عدد المختفين خلال العامين الماضيين فقط بعد اجتياح تنظيم الدولة وسط العراق وشماله (41) ألف شخص، يتقاسم التنظيم مسؤولية اختفائهم مع ميليشيا الحشد الشعبي الموالية للحكومة، بحسب بيانٍ لمنظمة العفو الدولية، أي إن نحو (40) شخصاً يختفون بمعدل يومي دون أي أثر للاستدلال عليهم.
صليل نيران الانفلات والتدهور الأمني تتضح أبشع صورهما عبر دراسة لباحثين نُشرت في دورية "سيرجري" قبل عامين من الآن (أي قبل بدء العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة)، والتي كشفت أن واحداً من بين كل 6 أطفال جرحى في العراق قد أصيب بسبب الحرب مقارنة بواحد فقط بين كل 50 طفلاً مصاباً في العالم.
من جهة أخرى، وفي تحقيق استقصائي نشرته صحيفة "ميدل إيست أونلاين"، بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2016، كشفت فيه عن أعداد المعتقلين في العراق والذي طال (156) ألف مدني خلال 22 شهراً، واعتمد التحقيق في بياناته عبر تتبع الأرشيف الإلكتروني لموقع السلطة القضائية الاتحادية العليا في العراق، ليبلغ المجموع النهائي لأعداد المعتقلين منذ يناير/كانون الثاني 2015 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2016 نحو (1،56.046) بينهم أكثر من 17 ألف شخص وُجهت لهم تهم بالإرهاب، وبنسبة مئوية تبلغ (7000) في الشهر الواحد، أي اعتقال (236) شخصاً يومياً.
هذه الإحصائية المثيرة للجدل تشير إلى مشكلة حقيقية في النظام الأمني والقضائي في العراق؛ إذ تجري الآلاف من عمليات الاعتقال العشوائية بدوافع سياسية أو طائفية، بحسب تأكيدات لمنظمات أممية.
تردي الأوضاع في العراق جعل منه ضمن أولى الدول المنفّرة لسكانها، حيث كشفت لجنة الهجرة والمهجرين البرلمانية أواخر عام 2015 أن (100) عراقي يهاجر يومياً إلى أوروبا، يأتي هذا في وقت أكدت فيه ألمانيا أن العراقيين نالوا المرتبة الأولى في عدد طالبي اللجوء لديها، وهي ظاهرة خطيرة تهدد الوجود السكاني في العراق وتُنبِئ بزوالهم واضمحلالهم، ومن ثم الاختفاء المفاجئ، بحسب تحذير للبروفيسور بيري أفيان الذي ترأس إعداد بحث حول اللاجئين.
أما وزارة الهجرة العراقية، فقد نفت امتلاكها إحصائية دقيقة عن أعداد العراقيين في الخارج، والأسباب، بحسب مراقبين، هي تعمّد الكثير من اللاجئين عدم مراجعة سفارات بلادهم في المهجر؛ خشية إبعادهم واعادتهم للعراق، لدرجة أن منظمات مجتمعية سجلت حالات تنصُّر واعتناق للمسيحية من قِبل البعض؛ لضمان امتلاك الجنسية في ألمانيا مثلاً وعدم التعرض لخطر الإعادة.
صحيفة "لندن نيوز بيبر" نقلت، من جانبها، تأكيد رئيسة البعثة الأوروبية لشؤون اللاجئين إيلي أستون قولها: "إن العراق اليوم هو على رأس قائمة الدول التي يطلب مواطنوها حق اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي ودوله الـ(27)، وتزيد نسبة طلبات اللجوء العراقية على 25 في المائة من المجموع الكلي للطلبات المقدمة لدول الاتحاد الأوروبي".
ومما تقدم وعبر استقراء الأوضاع في العراق، فلا أمل يلوح في الأفق القريب يمكن أن ينهي المأساة ويوقف الانحدار السريع للبلاد نحو التفكك والتلاشي وتصحّره من الشرائح السكانية الضرورية لإعادة البناء والتعمير، حين ندرك أن أكثر من يتعرضون للقتل والتهجير هم من العلماء والأكاديميين ومن شريحة الشباب. وبحسب إحصائية نشرتها جريدة المركز الدولي كشفت فيها أن نحو 17 ألف من العلماء والأساتذة أُجبروا على الرحيل من العراق منذ بدء الاحتلال.
العراق الذي نال مرتبة ثاني أسوأ دولة في العالم، من ناحيتي الفقر وعدم الاستقرار بحسب دراسة لمؤسسة "فيلد ستايتس اندكس"، لم يأتِ من فراغ، فعقد من سياسات حكومية وُصفت بالإقصائية، أسفرت عن إجهاض مشاعر الانتماء لدى المواطن العراقي بعد أن رصدت عمليات إبعاد آلاف من السكان كرهاً، وجُرّفت آلاف الهكتارات من أراضيهم خلال المعارك ضد تنظيم الدولة، بحسب تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" التي اعتمدت في بياناتها على صور للأقمار الاصطناعية، تثبت تعرض نحو (20) مدينة عراقية وما يقارب الـ(300) قرية لعمليات تغيير ديمغرافي، وفقاً لمتابعات ينشرها مركز الأمة للدراسات والتطوير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.