اغتيال السفير.. تسميم للعلاقات التركية – الروسية

عملية اغتيال السفير الروسي بتركيا ضربة موجعة للأتراك، وعرقلة أخرى أمام استمرار المشاريع الكبرى في تركيا، وخصوصاً أنها جاءت ليلة افتتاح الأتراك لمشروع نفق السيارات "أوراسيا" الذي يربط الشطرين الأوروبي والآسيوي لمدينة إسطنبول، وليلة الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران حول حلب والتهدئة وإجلاء اللاجئين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/04 الساعة 02:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/04 الساعة 02:22 بتوقيت غرينتش

مساء الإثنين 19 ديسمبر/كانون الأول 2016 قُتل السفير الروسي "أندريه كارلوف" خلال إلقائه كلمة في معرض فني بالعاصمة التركية أنقرة؛ حيث كان هذا الحدث المفاجئ خبراً عاجلاً على جميع وسائل الإعلام العالمية.

هذه العملية الإرهابية نوع آخر من الانقلابات التي تتعرض لها تركيا في أقل من شهر واحد، بعد العملية الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز، وبعد فترة من الهدوء والاستقرار عاشها الشعب التركي، نشط أعداء تركيا مرة أخرى في تحريك سلسلة من الانقلابات، هذه المرة بطرق متعددة وأشكال مختلفة هدفها إسقاط تركيا وإرجاعها لبيت الطاعة "الدولة الوظيفية" التي تخدم أجندات الدول الغربية في المنطقة.

هذه السلسلة من الانقلابات بدأت بأزمة الدولار، المشكلة المفتعلة عبر حرب العملات بأسواق الأموال والبورصات، ثم التفجير الإرهابي الذي استهدف الشرطة التركية بحي "بيشكتاش"، والآن قتل سفير روسيا بأنقرة.

عمليات إرهابية متنوعة الوسائل، لكن هدفها واحد، هو الاستمرار في إشعال "حلقة النار" حول تركيا، وإشغالها بشؤونها الداخلية، لكن الجديد في حادث اغتيال السفير هو أنها محاولة استفزازية وجريمة تهدف لعرقلة تطبيع العلاقات الروسية – التركية وتعطيل عملية السلام في سوريا، كما تبين درجة القوة التي وصلت إليها تركيا، ومدى قدرتها على إزعاج الخصوم الإقليميين والقوى الكبرى، وعلى رأسها أميركا والاتحاد الأوروبي.

تسميم العلاقات التركية – الروسية
ومع الصمود التركي أمام هذه الموجة من الانقلابات والأزمات، فقد تأكد أعداء تركيا أن أهداف هذه السلسلة من الانقلابات لن تتحقق ما لم يتم عزل تركيا عن محيطها الإقليمي والعالمي، وأول خطوة في هذا العزل كانت بدايته عبر محاولة تسميم العلاقات الروسية – التركية، بعدما شهدت تحسناً منذ أشهر، بعد أزمة دبلوماسية خطيرة نجمت عن إسقاط الطيران التركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 طائرة حربية روسية، دخلت الأجواء التركية.
وهذا ما تنبه له القادة الأتراك ونظراؤهم الروس، وظهر من خلال تصريحاتهم؛ حيث قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: "إن حادثة مقتل السفير الروسي تهدف إلى عرقلة العلاقات التركية – الروسية، وإن كلتا الدولتين لن تسمح بذلك ولن تقع في فخ الإرهابيين".

وقال الرئيس التركي الطيب أردوغان: "العلاقات مع الجانب الروسي لن تتأثر سلباً بعد حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة.. نعلم أن هذا الهجوم هو عمل تحريضي استهدف مسيرة تطبيع العلاقات التركية – الروسية بشكل خاص، ولكن الإدارة الروسية، وإدارة الجمهورية التركية تملكان الإرادة اللازمة لعدم الانجرار وراء هذا العمل التحريضي".

وقال رئيس لجنة الأمن في مجلس الدوما الروسي "ليونيد سلوتسكي" إن حادثة اغتيال سفير بلاده لدى العاصمة أنقرة لن تؤثر بالسلب على العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا.
والسؤال الرئيس حول حادثة اغتيال السفير الروسي بتركيا هو: من وراء عملية اغتيال السفير الروسي؟ ومن المستفيد من تسميم العلاقات التركية – الروسية؟

أولاً نؤكد أن عقلاء العرب والمسلمين لا يصفقون لمثل حادثة اغتيال السفير الروسي رغم ما فعلته روسيا مع المسلمين طيلة تاريخها الدموي مع أهل الإسلام، وما زالت تفعله في حلب وسوريا من جرائم حرب في حق المدنيين والأطفال والنساء الأبرياء، فنرفض الإرهاب بكل أشكاله ومصادره، ولأن قتل سفير دولة هو غدر وخيانة، ونحن براء منه ونستنكره بشدة.

المستفيدون من حادثة اغتيال السفير
أما المستفيد من عملية اغتيال السفير الروسي فأطراف عدة من أهمها ما يلي:
– المتهم الأول: إيران: كانت إيران ترجو جني ثمار مساندة الأسد ونظامه المجرم في القضاء على الثورة السورية وحدها، لكن فشلها في إنقاذ النظام السوري طيلة أربع سنوات، وتدخل الروس عبر سلاح الطيران ومنظومات الصواريخ المتطورة، جعل مكاسب إيران تنحصر ونفوذها يقل، وأصبحت الكلمة العليا في الملف السوري هي كلمة الروس، أمام اندحار الخارجية الأميركية وسياستها في المنطقة، وتركها الشعب السوري وحيداً يواجه آلات الموت والإبادة الروسية – الإيرانية – الأسدية.

ولأن الصراع الروسي – الإيراني حول النفوذ الكامل على سوريا ما بعد الأسد، معلوم وظاهر، والاتفاق التركي – الروسي الأخير حول حلب الشرقية وإخراج المحاصرين والواسطة التركية الناجحة بين المعارضة السورية المسلحة وروسيا والميليشيات الشيعية الإرهابية، وإقصاء إيران من القيام بدور فاعل في هذه الهدن والاتفاقات، كل هذه الأمور تغضب حكام إيران من الروس والأتراك معاً، فقد تكون حادثة اغتيال السفير الروسي رد فعل انتقامياً مزدوجاً من الروس الذين أقصوهم، ومن الأتراك الذين يزاحمونهم على النفوذ بالمنطقة.

– المتهم الثاني: جماعة غولن الإرهابية: لقد كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة ليلة 15 يوليو 2016، ضربة قاصمة لظهر الجماعة، وخطأ فادحاً شتت شملها، وقضى على نفوذها وسيطرتها على عدة مؤسسات حكومية مؤثرة بالدولة التركية.

لكن هذا لا يعني أن جماعة فقدت كل نفوذها بهذه المؤسسات، لا شك أن لها عناصر لم تصل لهم أيدي الأمن والقضاء التركي، وانتقاماً من الإجراءات الحكومة التركية في حق أعضاء الجماعة والمؤسسات التابعة لها، كان التخطيط لعملية اغتيال السفير الروسي بأنقرة، انتقاماً من الشعب التركي وحكومته، الذين تعاونوا في إفشال المخطط الانقلابي الذي سعت جماعة غولن لتنفيذه بمساعدة خارجية.

فدائرة الاتهام تطال الجماعة وزعيمها، فقد صرح مسؤول أمني تركي كبير بأن ثمة "دلائل قوية للغاية" على أن المسلح الذي قتل السفير الروسي ينتمي لمنظمة "فتح الله غولن" الإرهابية، وقال المسؤول -الذي رفض الكشف عن هويته- إن التحقيق الحالي يركز على صلات المسلح بجماعة غولن وشبكتها بتركيا.

– المتهم الثالث: منظمة "بي كاكا" الإرهابية التي زادت من أنشطتها الإرهابية بالداخل التركي؛ حيث خططت ونفذت أكثر من 27 عملاً إرهابياً بمختلف المدن التركية عام 2015.

وهي أكبر خاسر من عملية "درع الفرات" العسكرية التي خاضتها تركيا مع الجيش السوري الحر على طول الحدود التركية – السورية، هذه العملية حدَّت من غطرسة قادة هذه المنظمة، واشتداد النزعة الانفصالية لديها، عبر إقامة كانتون كردي بشمال سوريا.
بالإضافة إلى العمليات المنظمة والمتواصلة التي يقوم بها الجيش التركي ضد عناصر المنظمة في جبال قنديل، وتطهيره للمدن والقرى بجنوب شرق تركيا من المسلحين التابعين لها.

وبعد عملياتها الإرهابية التي تنفذها بمختلف المحافظات التركية، فلا يمنع من مشاركتها في التخطيط لاغتيال السفير الروسي بأنقرة، نكاية في الحكومة التركية، ورسالة غير مشفرة للروس الذين خففوا الدعم المقدم للمنظمة منذ ترميم العلاقات التركية الروسية في أغسطس/آب الماضي.

تضرر الثورة السورية من حادثة اغتيال السفير

عملية اغتيال السفير الروسي بتركيا ضربة موجعة للأتراك، وعرقلة أخرى أمام استمرار المشاريع الكبرى في تركيا، وخصوصاً أنها جاءت ليلة افتتاح الأتراك لمشروع نفق السيارات "أوراسيا" الذي يربط الشطرين الأوروبي والآسيوي لمدينة إسطنبول، وليلة الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران حول حلب والتهدئة وإجلاء اللاجئين.

لكن الخاسر الأكبر من هذه العملية هي الثورة السورية وحلب الشهباء، فهي إعاقة للاتفاق التركي – الروسي لصالح عدم إخراج المدنيين المحاصرين بحلب الشرقية، وفرصة أخرى للقضاء والتنكيل بالسوريين على يد الميليشيات الشيعية والطيران الروسي.

فهل ستخرج تركيا مرة أخرى قوية من هذه العملية الإرهابية الخطيرة؟

وهل ستنتقم روسيا لسفيرها من دماء السوريين؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد