في حلب المغمومة مسرحية دموية بنفط عربي، وذخائر صهيونية، وثورة مفعول بها، والجمهور بلا ضمير، والبطل ينزف بإتقان ليضحك الجمهور من قلبه، هكذا هي حلب رواية باهتة أبعادها لا حصر لها، وأطرافها متعددون، مما جعل المسرحية مفتوحة ولا قائد لها، والأقوى هو الذي سيسدل الستار حينما يريد حتى وإن أسدله في منتصف فصل ما من فصولها لهذا لا يستطيع أحد أن يتوقع متى ستنتهي تلك المسرحية التي بدأها جزارون بشريون من جنسيات مختلفة.
فأنا كلما تذكرت أن النفط الذي تُلقي به طائرات الجزارون البراميل المتفجرة فوق العزل من المدنيين هو نفط عربي، أكره عروبتي التي جعلتني عاجزاً عن إنقاذ الأبرياء من أيدي بشر تجردوا من صفات البشرية، وقرروا أن يمارسوا دور الحيوانات المفترسة في ثوب بشر يتغذون على دماء البشر زيفاً؛ لأنني أدرك أن هذه المسرحية لن تنتهي في حلب فقط بل هي ستدور في شتى بقاع وطني العربي، وعندما يأتي على بقعتي الدور في استقبال العرض المسرحي لن أجد من ينقذني من أيدي الجزارين وسيتركني الجمهور وحدي، كما فعل مع أهل حلب، فلا تتعجل يا عزيزي دورنا قادم لا محالة، فالزمان يدور ولا يتوقف، ولا بد لعدالة الزمان أن يُقضى أمرها.
أهل حلب ليسوا مجرد فئة من العالم يُرتكب بحقها جرائم حرب أو انتهاكات، وإنما هم جرح أمة غائر، وحينما تصمت الأمة على جروحها، وتتعاطى مسكنات لعدم الشعور بالألم فقط من دون مداواة الجروح من أصولها، ولملة أعضائها، فتأكد أن تلك الأمة أحرجت مصطلحات كثيرة في المعجم لمعاني البلادة واللامبالاة، وأصبحت قصيرة اليد وعاجزة في الدفاع عن بقائها، ووضعت أقدامها على بداية طريق الهلاك.
صمت الحكومات والأنظمة العربية على ذلك العمل المسرحي الدموي واللاإنساني، والاكتفاء فقط بالمشاهدة في صفوف الجمهور بضحك سام لا يصدر صوتاً ليس تخاذلاً، بل اشتراك في هذا العمل، وكل إنسان يعيش على الأرض ويكتفى بكونه مشاهداً فهو أيضاً مشترك في هذا العمل وسيقاضيهم النازفون دماءهم يوماً ما في الأرض وفي السماء وستبقى تلك الدماء البريئة لعنة على كل من اشترك في سيلانها عبثاً تطارده أينما ذهب وأينما استقر.
لا تعتقدوا أن حلب ستبقى هكذا وحيدة والعالم متكتلاً عليها، فغداً سيكون أطفال حلب في كل حلب على الأرض متكتلين والعالم وحيداً، فكلما زاد عدد المظلومين زادت قوتهم، وكلما أذقتموهم من العذاب كأساً زادوا رغبة في البقاء والعودة مرة أخرى؛ ليثأروا لأنفسهم بأدواتكم هذه، فانتظروا أنتم يوماً ما طفلاً حلبياً يستقل طائرة بنفط عربي وذخائر صهيونية، ويلقي عليكم البراميل المتفجرة كما فعلتم أنتم، وترون أطفالكم أثلاجاً مكفنة في الطرقات، كما هو المشهد الآن في حلب، وتحملون المصابين على أكتافكم وتعودون من على أبواب المشافي؛ لأن الطفل الحلبى قائد المعركة قد أصدر فرماناً بقصف المشافي، فلا تتعجبوا حينها من انعدام إنسانيته فهو قد وُلد من عدة سنوات طفلاً بريئاً، وأنتم من علمتموه الوحشية وافتراس البشر والتلذذ برائحة الدماء، ولا تستغيثون حينها في المنصات الإعلامية من تغاضيه عن مطالب المنظمات الإنسانية بالسماح لها بالمرور حتى تصل إليكم المساعدات الإنسانية دواء وغذاء وخروجاً آمناً من مناطق القصف، فهو يستغيث الآن وأنتم متغاضون عن استغاثته، ولا تطالبون التاريخ حينها بالتوقف عن تدوين مأساتكم وهزيمتكم على يد من كنتم سبباً في مأساتهم اليوم، ولا تطالبون أحداً بالشفقة؛ لأنكم لا تستحقونها، فأنتم لم تشفقوا اليوم على الرضيع الذي يطارده الشيب، وهو في مهده بأصوات قذائفكم ونظرات الرعب في أعين أبويه، فهو قادم لا محالة وسينتقم حتى وإن هزمتموه ألف مرة لا بد من أن ينتصر لعدل الزمان، فلا نهاية قبل رد الحقوق إلى أصحابها، ولن تستطيعوا إسدال الستار على تلك المسرحية قبل أن ينتصر الأطفال على العالم، فالعالم قد اجتمع على عدائهم اليوم، فسيكونون هم أعداء العالم غداً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.