عندما نتكلم عن الإنسان، نتكلم عن فرد لديه خصائص طبيعية موجودة في نفسه البشرية، ومن بين هذه الخصائص أنه يحب التملك، ومن طبيعته يفضل الحرية ويسعى وراء تحقيق مصلحة شخصية. ومن جهة أخرى، نتكلم عن الإنسان من حيث هو فرد اجتماعي بطبعه، بمعنى أدق أنه لا يستطيع أن ينعزل في الجبال والغابات بعيداً عن مراكز التجمع البشري، فلإشباع هذه الرغبات، يجب عليه العيش في مجتمعٍ وسط الآخرين.
إذاً، هنا تكمن أكثر من علامة استفهام، ففي أي مجتمع يمكن للفرد أن يحقق هذه الرغبات؟ وأي نظام اقتصادي يمكن له أن يشبع في الفرد هذه الرغبات الطبيعية؟ هل يمكن للفرد أن يحقق مثل هذه الرغبات في دولة تعاقب مواطنيها بنظام ضريبي افتراسي كالنموذج الألماني مثلاً؟
حينما نتكلم عن ألمانيا، فإننا نتكلم عن رابع اقتصاد على الصعيد العالمي، وصحيح كذلك القول بأن ألمانيا دولة الأمان ومن الشعوب الأكثر رفاهية وبطل التصدير في العالم بـ1359 مليار دولار أميركي كل سنة وتتصدر بحصادها 80 جائزة نوبل، ما يجعل من اقتصادها الأكبر في أوروبا. لكن سؤالاً مهماً يطرح نفسه في هذا السياق: هل يجوز أن نقول إن الفرد الألماني هو الفرد الذي يحقق أكثر الأرباح في أوروبا؟ حتماً لا؛ لأن الدولة الألمانية تعاقب كل من لديه هذا الهدف، وذلك عن طريق نظام ضريبي يعيق تحقيق هذه الأهداف.
فالنظام الضريبي في ألمانيا هو الأكثر تعقيداً على صعيد القارة الأوروبية ويُعد من ضمن النظم الأكثر افتراساً، لأنه نظام يتضمن حزماً من الضرائب التي تعيق أهداف الفرد ورغباته الشخصية، هذا الفرد الذي يجد نفسه يشتغل ويبيع مجهوده لصالح الدولة وتحقيق مصالحها، وليس مصلحته الشخصية، هذا مع العلم أن وظيفة الدولة الرئيسية هي الحرص على تحقيق أهداف الفرد.
تعالوا معي إذاً لنتعرف على بعض أنواع هذه الضرائب:
– الضريبة على رأس المال: هي ضريبة تُفرض على أي عملية رأسمالية كتداول الأسهم مثلاً.
– ضريبة الكنيسة: تدفع هذه الضريبة بموجب قانون يعود للقرن التاسع عشر وتصل نسبتها إلى 9 في المائة، وكل من يرفض دفع هذه الضريبة التي تفرض على الدخل باسم الكنيسة يُحرم من الدفن كأحد رعايا الكنيسة، طبقاً للطقوس الكاثوليكية.
– ضريبة التضامن: ضريبة يعود تاريخها إلى فترة توحيد الشقين الشرقي والغربي، وهي ضريبة تُدفع لمساعدة ألمانيا الشرقية ومحاولة مقارنتها بالغربية.
– ضريبة الراديو والتلفاز: إذا كنت تمتلك تلفزيوناً أو راديو في بيتك، أو محلك أو حتى في سيارتك، فيجب أن تدفع ضريبة يتم احتسابها بشكل دوري كل 3 أشهر وتقدر بـ51 يورو، وعدم الدفع يعرض صاحبها لغرامة تقدر بـ1000 يورو.
– ضريبة الأعمال: هي ضريبة تفرض على الأنشطة والمشاريع الاقتصادية، وتعد ثالث أهم ضريبة في ألمانيا؛ لأنها مصدر مهم لتمويل ميزانية السلطات المحلية. ويخضع لهذه الضريبة كل من أصحاب المشاريع الفردية في مجالات الصناعة والتجارة والإنشاءات والنقل، وشركات الأموال مثل الشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات المساهمة والتي تخضع لهذه الضريبة بغض النظر عن طبيعة نشاطها والتي تصل إلى 25.4 في المائة.
– الضريبة العقارية: في ألمانيا، هناك نوعان من الضرائب العقارية: الأولى هي الضريبة على العقارات والتي تفرض عندما يتم نقل ملكية العقارات وعند شراء العقارات، ويتحمل هذه الضريبة عادة الشخص الذي يشتري، وتذهب هذه الضريبة لصالح الولاية التي يوجد فيها العقار. أما الضريبة الثانية، فهي الضريبة العقارية التي تُفرض كل سنة على صاحب العقار، وتحديد معدلها يخضع لصلاحية السلطات المحلية، هذا ما يجعل نسبتها تختلف من ولاية إلى أخرى. ومقابل نقل الملكية يتم دفع رسوم كاتب العدل، بالإضافة إلى رسوم التسجيل وتختلف نسبة ضريبة العقار باختلاف استخدام هذا الأخير، فالضريبة العقارية على المباني المؤجرة تكون عادة أكثر من المباني التي يسكنها المعني بهذه الضريبة، كما تختلف هذه الضريبة من جهة إلى أخرى.
– ضريبة دخل الشركات: يعد نظام ضريبة دخل الشركات في ألمانيا من بين أكثر النظم الضريبية الأكثر تعقيداً في مجموعة البلدان الصناعية الكبرى. معدل هذه الضريبة يزيد على معدل ضريبة دخل الشركات في فرنسا، ويصل العبء الضريبي الشامل للشركات في ألمانيا إلى نحو 29.8 في المائة، لكن مستوى هذا العبء الإجمالي الضريبي للشركات يختلف من بلدية إلى أخرى؛ لأن هذا النوع من الضرائب في ألمانيا يضم 3 مكونات.
– ضريبة الدخل القومي الألماني على الشركات كافة ونسبتها 15 في المائة.
– ضريبة التكافل وقد تصل إلى 1 في المائة.
– ضريبة البلدية التي يبلغ حدها الأدنى، أي قاعدتها، 7 في المائة، أما سقفها فغير محدد ويترك أمر تحديده إلى كل بلدية وفقاً لاحتياجاتها.
ويعني هذا أن الحد الأدنى للعبء الضريبي الإجمالي هو 22.8 في المائة في بعض البلديات الألمانية.
– ضرائب دخل الموظفين: ينطبق هذا النوع الفرعي من ضريبة الدخل الألمانية الشاملة على العاملين، وهي تؤخذ مباشرة من إجمالي الدخل الشهري مثلها مثل استقطاعات الضمان الاجتماعي، ويبلغ أدنى معدل لها 14 في المائة، ثم يرتفع معدلها ارتفاعاً افتراسياً لأصحاب الدخل السنوي الأقل من 250.000 يورو فتفرض عليهم ضريبة بنسبة 42 في المائة، أما إن زاد الدخل على 250.000 يورو فيطبق عليه أعلى معدل ضريبة ونسبتها 45 في المائة.
– ضرائب الدخل الأخرى: بالإضافة إلى الضريبة المفروضة على الدخل المتحقق من الوظيفة والتي سبق تعريفها أعلاه، فإن هذه الضريبة ليست سوى نوع واحد من أنواع الضرائب التي تتكون منها حزم ضريبة الدخل الشاملة في ألمانيا فضريبة الدخل المبينة أعلاه تُفرض أيضاً على الدخل الشخصي المتحقق من المصادر التالية:
الدخل من الزراعة.
الدخل من أنشطة قطاع الأعمال.
دخل العاملين لحسابهم.
دخل رأس المال.
الدخل من تأجير المباني والعقارات.
وإضافة إلى ذلك، تُفرض ضريبة الدخل على أي دخل إضافي من أي فئة أخرى غير مدرجة ضمن الفئات السابق؛ة مثل الفائدة على المدخرات الخاصة أو إيرادات تأجير الأصول وتتراوح معدلات الضرائب على هذا الدخل الإضافي ما بين 14 في المائة و45 في المائة وفق الشرائح الموضحة أعلاه.
– ضرائب ورسوم محلية أخرى: إلى جانب ضريبة الأعمال والضريبة العقارية، تحصل السلطات المحلية على مصادر أخرى؛ ومن بينها الضرائب والرسوم المحلية وأهمها.
– ضريبة السكن الثاني: وهي من الضرائب الحديثة نسبياً والتي تُطبق في عدد متزايد من المديريات، وتُفرض هذه الضريبة على كل شخص يملك محل إقامة رئيسياً في مديرية معينة ولديه في الوقت نفسه سكن ثان في مديرية أخرى وبغض النظر إن كان مالكاً أو مؤجراً لهذا السكن، وتعود عائدات هذه الضريبة إلى المديرية حيث يوجد السكن الثاني. وتهدف هذه الضريبة إلى إشراك هذه المديرية في ضرائب هذا الشخص والذي يدفع عادة ضريبة الدخل وفقاً لمحل إقامته الرئيسي؛ أي لصالح منطقة أخرى.
– الضريبة السياحية: تُجبى هذه الضريبة في المناطق السياحية بألمانيا، ويلزم عادة أصحاب المنشآت والمرافق السياحية، مثل الفنادق ودور الاستراحة، بإضافتها إلى سعر المبيت واستقطاعها من الزائر وتوريدها لصالح خزانة المديرية التي تقع فيها هذه المنشآت.
كانت هذه مجرد أمثلة للضرائب الموجودة في ألمانيا، وما هذه الضرائب بكل أنواعها إلا جزء من القصة. تعالوا معي إذاً لنكمل القصة بإلقاء نظرة على أنواع التأمين الإجباري.
تأمين التقاعد: تأمين إجباري وهو فرع من نظام الضمان الاجتماعي يخدم في المقام الأول تأمين المعاش التقاعدي للموظفين.
التأمين على البطالة: هو تأمين اجتماعي يهدف إلى تأمين العاطلين عن العمل.
التأمين الصحي: بالإضافة إلى التأمين على البطالة، تأمين التقاعد، وتأمين على الحوادث وتأمين الرعاية يعد جزءاً من نظام الضمان الاجتماعي، وهو تأمين إلزامي على كل الناس في ألمانيا بمن فيهم الطالب الذي يذهب عند الضرورة ليشتغل غير قانوني لكي يدفع المبلغ الشهري المفروض عليه.
تأمين الرعاية: هو تأمين إجباري يعد منذ 1995 كفرع مستقل عن الضمان الاجتماعي.
التأمين ضد الحوادث: هو جزء من الضمان الاجتماعي، الهدف منه استعادة صحة وأداء المؤمَّن عليه بعد وقوع حوادث مهنية أو أمراض ومخاطر صحية مرتبطة بالعمل.
وهنا نتساءل: ماذا بقي في جيب الفرد بعد كل هذه الاقتطاعات إذاً؟
فالنظام الضريبي الألماني لا يشجع على الكفاءة والإبداع، وإنما يشجع على الخمول والكسل ويدمر المجهودات الشخصية التي يبذلها الفرد في العمل وفي الادخار. كيف ذلك؟ فإذا كنت أنا -على سبيل المثال- أشتغل وأبيع ثمرة مجهودي من أجل كل هذه الاقتطاعات فسأفضل أن أتوقف عن الشغل وأستلم شهرياً الدعم من الدولة كما يفعل معظم سكان الشق الشرقي من ألمانيا، وهذا ما يؤدي إلى صعود عدد كبير من الأفراد الذين يعيشون على حساب عدد يتناقص من الفئة الأخرى.
أما إذا كنت من الكفاءات الأكثر مردودية والكافاءات المبدعة التي لا تستسلم للكسل فإنني سأفكر في الهجرة إلى البلدان التي تسمح للمواطن الاحتفاظ بحجم مهم مما يحصل عليه مقابل إبداعه أو سيفرض علي أن أقلص مجهوداتي الشخصية الخاصة إلى أدنى حد لها هذا أما إذا كنت أفكر في الاستثمار حتما سأغير الوجهة إلى بلدان أخرى أيضا أو سأكون مرغما لدفع التعويضات الإجماعية لصالح اللاجئين والمنقطعين عن العمل وأشجعهم عن الخمول والكسل. وكخير مثال على ذلك الذي بسببه تم توجيه نقد للمستشارة الألمانية والمثال هو أن لاجئا من أفغانستان له أربعة أطفال وزوجة يعيش في مدينة ماجدبورك يتقاضى 4560€ في الشهر الواحد مقابل خموله. هل هذه هي العدالة الاجتماعية التي يتكلم عنها الاشتراكيون؟
لكن في الحقيقة، فالنظام الألماني ما هو إلا نموذج من النظم التي تحطم أهداف الفرد وتجعلها مستحيلة فهناك دول أخرى تعتمد نظاما لا يشجع على التنافسية ولا يحترم الملكية الخاصة ويحرم الفرد من ثمرات مجهوده وذلك عن طريق اقتطاعات ضريبية عالية ومبالغ فيها وما هذه الاقتطاعات إلا إكراه يقتل دوما إلا بداع ويجعل الفرد كالحيوان من دون أهداف يسد غرائزه وحاجاته فقط ويعيش ويعمل لصالح الدولة من دون أن يطمح ويعمل من أجل تحقيق أهدافه الشخصية وهنا يتحول الفرد إلى خادم يخدم الدولة. وليس العكس الذي يجب أن يكون.
وبالتالي، نؤمن بأن النظام الضريبي يحتاج لإصلاحات مهمة وتوجيهاتنا في الحزب الديمقراطي الحر هي كالتالي.
خوصصة التأمين على البطالة، وذلك يعني أن الأمر يقوم على اختيارات فردية.
حذف ضريبة التضامن بصفة خاصة، وحذف النسبة المرتفعة جداً للضريبة بصفة عامة، ووقف التدرج التصاعدي للضريبة على الدخل مما يعيد الروح لحب الشغل والإبداع والابتكار؛ لأن البطالة ترفع حتماً مع ارتفاع النفقات والمداخيل للقطاع العام.
لنتخيل على سبيل المثال، أن الضريبة منخفضة جداً ولا وجود لمساهمات اجتماعية، آنذاك سيكون كل فرد منا محفزاً للابتكار وللاجتهاد والتجديد؛ لأن من المنطق سيزداد المجهود الشخصي للفرد كلما كان بإمكانه الحفاظ على ما ينتجه من مجهوداته الشخصية.
وأخيراً، لا بد من إصلاح التأمين الاجتماعي، وذلك ببنائه على المنافسة والحرية.
إذاً، فالنظام الوحيد الذي يستطيع أن يُشبع في الفرد خصائصه الطبيعية هو ذلك النظام الحر الصرف الذي دعا إليه أبو الاقتصاد السياسي آدم سميث، وليس ذلك النظام الرأسمالي المزيف ذا الطابع الاشتراكي (السوق المختلطة)؛ لأن من ميزات النظام الحر هو أنه نظام طبيعي يستجيب للخصائص الطبيعية الموجودة في الذات البشرية بخلاف الأنظمة الأخرى التي تحرم الفرد من ثمرة مجهوده والتي تعطي للدولة حق المشروعية في التدخل في نشاطه وشؤونه عامة.
ولهذا، يبقى النظام الحر دوماً أفضل الأنظمة وخيرها، ولا نظام غيره يعترف بالملكية الفردية ويقدسها، ويكون فيه عادةً مستوى الضرائب منخفضاً؛ لأنه نظام يؤمن بأن الناس سوف ينتجون أكثر عندما يربحون أكثر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.