وسطَ هذا الخرَاب الذي حلّ بحلب، لا بد أن نتأمل بهُدوء، نحن البعيدُون عن رائحة الموت، ما يجري داخل الساحة السياسية والحقوقية بالمغرب تجاه الموقف من سوريا، وأكثر محفز على ذلك هو رمزية الصمت الذي سكن وقفة التضامن مع الشعب السوري ليلة الأربعاء الماضي أمام البرلمان.
إن اختيار الصمت للتعبير عن الامتعاض لم يكن تعبيراً إنسانياً فقط، بل عنواناً للتيه بين النشطاء وخوفاً من انسلال شعارات قد تفجر صراعات غير متوقعة أيضاً.
لغة الصّمت تكون دائماً الأنسبَ حين نواجهُ التباساً معيناً، أو حين نَحمل وجهات نظرٍ مختلفة تجاه قضية مَا، لكن على خلاف ذلك، نستشعر الارتباك الذي حلّ بالمتتبعين المغاربة في قضية حلب في مواقع التواصل الاجتماعي التي تتطاير منها أشلاء أصابع الاتهام في كل الاتّجاهات، تتعمق فيها الانقسامات، وتنشب فيها الاختلافات، ويتحوّل الموقف فيها إلى حطام يستعصي على التركيب، كل هذا يحدث في وقتٍ ترتكبُ فيه جرائمُ بشعة ضد الإنسانية، بينما كنا ولا نزال نبحث عن المجرم بتدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي يسقط عشرات القتلى يومياً ويهاجر المئات رائحة تربتهم.
ففي الوقت الذي يبحث فيه الشّعب السّوري عن معبر للحَياة، ويهرب من الاختيار بين الموت بدبّابة نظام بشّار أو سيف داعش، تنتعش أسئلة المتتبعين الحائرين بين من يقتل مَن؟ مَن يبيد مَن؟ مَن يُباد وإلى متى؟ الحلبيون في هذا الوضع السيئ محتارون أيضاً في مصير حرب لا يعرفون من يخوضها ولأجل مَن؟ ولأجل ماذا؟
حين كنا نبحث عن الحقيقة وسط هذا الحطام، وحين كانت الحرب تندلع كلامياً بين من يرى في التدخل العسكري الروسي اجتثاثاً لقوى التطرف وانتصاراً للدولة الوطنية ضد "داعش"، وبين من يراه إبادة جماعية لشعب أصبح يعيش المأساة منذ اندلاع الربيع، سقط السوريون تباعاً دون جنائز ودون أعلام ودون وطن.
إذا كان الجميع متفقاً على أن "داعش" مؤامرة وكابوس، لا بد له أن ينتهي عاجلاً، ففي الجهة المقابلة ما زال "الدعم اللامشروط" لنظام بشار الأسد يثير الكثير من المخاوف والتساؤلات، وإن مجرد التأمل في الأرقام الواردة في عدد من التقارير الحقوقية حول عدد القتلى المدنيين والمهجرين واللاجئين والمصابين منذ 2011، على يد النظام السوري ودعائمه العسكرية، الذي وصل إلى حوالي نصف مليون قتيل، وملايين النازحين واللاجئين، سيعرف أن آلة التقتيل قد تحمل اسم التحرير وهندام الوطن لتزحف على الوطن والشعب على حد سواء.
متى سنفهم أن الجيش العربي السوري التابع للدولة انتهى منذ زمن طويل، ولا يوجد إلا في مخيلة البعض، وأنه أصبح أداة في يد روسيا وإيران، وأن الوطن الذي باسمه يحاربون أصبح ركاماً متحكماً فيه عن بُعد.
ما تعيشه سوريا اليوم التي أصبحت تحت الانتداب الروسي شبيه بحرب عالمية ثالثة تخوضها دول تقاتل على الأرض بعساكر سورية ضد دول تقاتل بعساكر داعش العابرة للقارات ومن جنسيات مختلفة.
إن النظام السوري انتهى اليوم، ومن يحكم سوريا لا يخرج عن معسكرين بقيادة روسيا وإيران من جهة ضد أميركا والسعودية من جهة أخرى، لا هذا ولا ذاك يستطيع تحرير الوطن، لكنهم بالمقابل يتفننون في إبادة حلب تحت مسميات عدة، تلك الحرب العالمية المتمركزة في دويلة واحدة! هناك من ارتدى فيها ثوب محرر الوطن ضد الإرهاب وهناك من ارتدى فيها ثوب الإرهاب لاحتلال الوطن، لكنهم ودون شك يسعون إلى هدف مماثل، هو قتل الشعب السوري من أجل مصالح لا تعير اهتماماً للإنسان.
إن الشعب السوري اليوم لا يحتاج لمَن يخيّره بين أشكال الموت، بل يحتاج إلى مَن يعبر به إلى الحياة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.