يجد عشرات الآلاف من السوريين أنفسهم داخل "سجن مفتوح" في محافظة إدلب، التي شكلت وجهة مقاتلي المعارضة والمدنيين بعد إجلائهم من مناطق عدة كانت تحت سيطرة الفصائل. ويخشى هؤلاء أن يشكلوا الهدف المقبل للعمليات العسكرية.
ويقول أبو محمد (30 عاماً) الذي يقيم حالياً بمركز ايواء في ريف إدلب الشمالي بعد أيام من وصوله من مدينة حلب، لوكالة الصحافة الفرنسية: "أردنا أن نحافظ على أرضنا وألا نُهجَّر منها، لكنهم استخدموا أنواع الأسلحة كافة لتهجيرنا، أخرجونا ورمونا هنا".
وأبو محمد، الأب لـ4 أطفال، هو واحد من بين أكثر من 25 ألف شخص تم إجلاؤهم منذ الخميس من شرق حلب، حيث يوشك الجيش السوري على إعلان استعادته السيطرة على المدينة بالكامل بعد أكثر من شهر من المعارك ضد الفصائل المقاتلة.
وتشكل إدلب -وهي المحافظة الوحيدة التي يسيطر عليها "جيش الفتح"- تحالف فصائل إسلامية، بينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وجهة لعشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين الذين تم إجلاؤهم من مدن عدة كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، أبرزها داريا ومعضمية الشام، اثنان من أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب العاصمة سابقاً.
ساحة معركة جديدة
ويخشى أبو محمد من أن يختبر في إدلب التجربة ذاتها التي عاشها في مسقط رأسه حلب منذ عام 2012، حين تحولت المدينة ساحةً لمعارك عنيفة بين طرفي النزاع.
ويقول: "أتوا بالناس من أرياف الشام ومن داريا.. حصرونا كلنا هنا. أنشأوا لنا سجناً في إدلب ليحاصرونا، وبعد ذلك يقصفوننا".
وفي الأشهر الأخيرة، أبرمت الحكومة السورية اتفاقات "مصالحة" في 6 مدن على الأقل كانت تحت سيطرة المعارضة في محيط دمشق. وتم بموجب هذه الاتفاقات إجلاء المدنيين والمقاتلين غير الموافقين على التسوية مع النظام إلى إدلب.
ويقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عدد الوافدين إلى محافظة إدلب بـ700 ألف شخص منذ بدء النزاع في سوريا قبل نحو 6 سنوات.
معيشة "صعبة"
وانعكس توافد المقاتلين المعارضين والمدنيين إلى إدلب ارتفاعاً في الإيجارات وأسعار المواد الأساسية. كما بات النقص في تلك السلع حقيقة يتعايش معها سكان المحافظة.
ويشير أبو زيد (26 عاماً)، وهو مقاتل في فصيل "لواء شهداء الإسلام" قادم من داريا، إلى "الغلاء وارتفاع الأسعار".
إلا أن ما يسعف المقاتلين، على حد قوله، هو تكفل فصائلهم بتوفير "المستلزمات كافة من طعام وملابس وأماكن سكن، وأحياناً من الممكن أن تقدم مبالغ مالية" لهم.
ويشكو أبو يزن الرماح (30 عاماً)، وهو مقاتل تم إجلاؤه في أبريل/ نيسان من مدينة الزبداني في ريف دمشق، من موجة الغلاء بإدلب.
ويقول المقاتل، الذي انضم إلى فصيل مقاتل محلي: "المعيشة هنا صعبة.. هناك غلاء وبعض المواد تُفقد أحياناً أو ترتفع أسعارها".
وإذا كان المقاتلون يجدون من يدعمهم، إلا أن معاناة المدنيين والناشطين أكبر.
ويروي داني قباني (28 عاماً)، ناشط إعلامي من معضمية الشام، كيف اضطر إلى أن يسكن وزوجته مع عائلتين بمنزل قدَّمه لهم أحد سكان بلدة بنش قبل أن يتمكن لاحقاً من الانتقال إلى منزل خاص في مدينة إدلب.
ويقول: "إيجارات السكن مرتفعة في إدلب ويضاف إليها مصاريف الكهرباء والمياه (…)، لم نكن نتوقع هذا الغلاء".
معاناة أهالي إدلب
ولا يقتصر الأمر على النازحين إلى إدلب؛ إذ يعاني أصحاب العقارات والمتاجر من جهتهم جراء ارتفاع الطلب نتيجة الكثافة السكانية المرتفعة.
ويقول جلال الأحمد (40 عاماً)، صاحب بقالة ببنش: "هناك زيادة في الطلب على البضائع نتيجة الكثافة السكانية".
ويوضح أنه "بسبب زيادة الطلب، لم نعد نستطيع تأمين البضائع، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية"؛ مثل: الأرز، والسكر، والشاي، والبيض.
ويشرح أن سعر صندوق البيض الذي يحوي 30 بيضة، ارتفع من نحو "150 ليرة سورية إلى نحو 1500 ليرة (3 دولارات)".
وفي ظل النقص بالمواد في مناطق سيطرة الفصائل، يستعين الأحمد بتجار "يؤمّنون لنا البضائع من تركيا".
كما يتعاون أحياناً مع تجار يأتون بالبضائع من مناطق سيطرة النظام، لكنه يقول: "نشتريها بأضعاف سعرها الحقيقي"، مضيفاً: "ليكن الله في عون المواطن".
وازدادت التساؤلات مؤخراً حول مستقبل إدلب وإن كانت ستتحول إلى هدف رئيسي لقوات النظام بعد سيطرتها على مدينة حلب، تزامناً مع تلميح النظام السوري إلى إمكانية أن تكون إدلب الهدف المقبل لهجمات قواته.
ومنذ عام، أكد مصدر أمني سوري في دمشق أن الجيش السوري يجري تدريبات مع القوات الروسية الداعمة له؛ تمهيداً لشن هجوم على إدلب.
وأعرب موفد الأمم المتحدة إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، الأسبوع الماضي، عن قلقه إزاء مستقبل إدلب. وقال: "لا نعلم ماذا سيحصل في إدلب. إذا لم يكن هناك اتفاق سياسي، (اتفاق) لوقف إطلاق النار، فإن إدلب ستصبح حلب أخرى".
ويتخوف سكان المحافظة والوافدين إليها من الأمر ذاته.
ويقول الأحمد: "ما يقوم به النظام هو سجن تجميع أو سجن مفتوح يمكن في أي لحظة إغلاقه من قِبل جميع الأطراف"، مضيفاً: "نصبح من ثم مثل قطاع غزة".
أما ناصر علوش (49 عاماً)، وهو أحد مالكي العقارات في بلدة بنش، فيلخص الوضع بالقول: "النظام يفكر في جمع الناس والثوار والمعارضين له في إدلب ليقوم لاحقاً بضربهم ضربة واحدة".