حلب المحرَّرة

أنا، قد يقول أخي العربي العروبي: ما شأني؟ ما أنا إلا عميل لا أملك غير مالي شيئاً، لا أملك حتى نفسي، فعلاً، ما شأني؟ أو الأهم، ماذا يهم شأني؟ هل اهتمامي مهم؟ هل بيدي الصبغة الزرقاء لسماء سوريا؟ هل أملك التربة الخصبة لأرض سوريا؟ هل أملك الأرض الخضراء لأهل سوريا؟ أنا لا أملك غير مالي شيئاً، لا أملك حتى نفسي، فما شأني؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/19 الساعة 02:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/19 الساعة 02:22 بتوقيت غرينتش

تحذير:

– توجد في هذه المدونة بعض الألفاظ التي قد لا تروق لكم أو لمشاعركم.
– الكتابة أدناه ليست بحثاً علمياً ولا يجب اعتبارها مصدراً للمعلومة، هي أشبه ما تكون بقلق الأمم المتحدة: "حكي فاضي" مع قليل من المشاعر العقيمة.

في الأمس، لا يهم ما في الأمس، أو من في الأمس: قتل بشر، قتل حيوان، قتل إله، قتل سماء، كل أشكال القتل كانت في الأمس. في الأمس، لا يهم ما في الأمس، أو من في الأمس، فالمهم غد: كيف ستطلع الشمس في سمائنا غداً؟ هل في الأرض مكان لسقوط المطر؟ أم لا فائدة من سقوط المطر؟ فالأرض حطام، والناس حطام، بعضهم لحم، وآخرون عظام، كيف سيستقبل أصحاب الجلد الأبيض أبناء عمومتنا المهاجرين؟ تسألني، لماذا أهتم لأخي المهاجر؟ لأنني ببساطة لا أهتم لي هنا، فما هنا؟ ومن هنا؟ الأرض حطام والناس حطام.

بعد كل هذا القلق والانتقاد الدولي الذي دام أعواماً وما زال: هل لمغتصب أمي مكان هنا؟ هل لمغتصب أرضي مكان هنا؟ هل لقاتل أبي مكان هنا؟ هل ما زال للحمار مكان هنا، فينا وبيننا؟

أنا، قد يقول أخي العربي العروبي: ما شأني؟ ما أنا إلا عميل لا أملك غير مالي شيئاً، لا أملك حتى نفسي، فعلاً، ما شأني؟ أو الأهم، ماذا يهم شأني؟ هل اهتمامي مهم؟ هل بيدي الصبغة الزرقاء لسماء سوريا؟ هل أملك التربة الخصبة لأرض سوريا؟ هل أملك الأرض الخضراء لأهل سوريا؟ أنا لا أملك غير مالي شيئاً، لا أملك حتى نفسي، فما شأني؟

شأني أن لو كان قادراً على قتل مئات الآلاف من البشر، وتشريد الملايين مثلهم، تحت مرأى العالم أجمع، فمن يمنع غيره؟ ولم يمنع غيره؟ بأي حق، بعد هذا كله، بعد أن أصبح القاتل كما كان، رئيساً للبلاد، بأي حق يأتي العنجهي صاحب البشرة البيضاء ليتكلم عني؟ عن سلطتي وعن سيادتي على أرضي؟ بأي حق ستتم مناقشة ما فعل حاكم بلاد الخرفان بقطيعه؟ أي وجه بجح سوف يناقش ما فعل السلطان عبد الحكيم بأمي: اغتصبها أو قطّعها أو طبخها أو أكلها، ما شأنهم؟ وعندما يتدخل قادة الدول القلقون سوف يأتي السلطان عبد الحكيم وحاكم بلاد الخرفان إلى المنتقدين ليقولوا لهم: "هو حي، كما كان، ما زال!".

بعد كل هذا التشريد والقتل، سوف تأتي القنوات الإخبارية لتعلن، بوقاحتها المعهودة، أن الحرب على الإرهابيين في سوريا قد انتهت، طبعاً، ستتم مقابلة أهالي المناطق "المحرَّرة" كنوع من الدليل، وسوف يصدق هذه الأخبار، عندها، سوف تتغنى الحيوانات ببعضها. سوف يقول الفرد لأخيه: "كم كنا مخدوعين. الحمد لله أن انتصر"، وبعد سنين، لربما أشهر، سوف تصبح أكذوبة "انتصار الاسد وتحرير البلاد من الإرهابيين" حقيقة. فقد قيل من قبل إن تكرار الأكذوبة عدة مرات يجعلها حقيقة.

في الحقيقة، لو جُيِّش الإعلام الدولي لصالحه, وتم التأكد أن أغلبية ممن بقي من الشعب السوري يحبونه ويودّونه رئيساً لهم، حينها سوف تصبح الأكذوبة حقيقة، تأكد أيضاً أن أخاك وأباك سوف يأتيانك ليحدثاك، بكل فخر وثقة، وبكل حسرة عليك وعلى خفة عقلك، بأن الأم المغتصبة كانت إرهابية، وأن الطفل الغريق الآن كان إرهابياً، وأن المستشفى الذي تم قصفه ذلك اليوم كان مخزن أسلحة، وأن هذا الشاب المحروق كان قنبلة موقوتة، وأن كل شيء كان كذبة، حتى صمت الطفل عمران كان كذبة، سوف يحاول أن يقنعك العالم بأن السنوات الماضية لم تكن.
أرجوك ألا تقتنع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد