سقوط الضمير العالمي في حلب

وكون سقوط حلب قد أصبح واقعاً مسلّماً به، فإن المقاتلين قد تدبروا أمرهم بالثبات في الميدان، ومواصلة الكفاح المسلح داخل نطاق حدود الوطن، وسيكون أسلوب الكر والفر مزعجاً للشركاء، ومرهقاً أيضاً لأصحاب القرار السياسي في سوريا الغد، التي لن تذهب بعيداً عن حال جارتها العراق اليوم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/14 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/14 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش

جاءت نتائج ورقة المفاهمة الروسية – الأميركية، التي تمت مناقشتها في جنيف مؤخراً متوافقة لمقترح قد لمَّح إليه من قبل وزير خارجية أميركا جون كيري، لأجل إيجاد مخرج يحد من معاناة السكان في حلب، وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم، بعد أن يتم تأمين طريق لخروج المقاتلين من وسط المدينة، ما قد يراه شركاء الحرب أنه يفتح الباب لاستقرار الأوضاع في البلاد، وإن كان قد تناوب الأعضاء في مجلس الأمن على فتح ملف الأزمة الإنسانية في حلب بين الفينة والأخرى، إلا أنهم اختلفوا مراراً على الاتفاق، والخروج بصياغة القرار الذي يساعد على تهدئة المؤشرات الملتهبة هناك.

عقدت هذه المحادثات بعيداً عن أسماع المقاتلين في حلب، خصوصاً بعد تحويل مجرى الصراع القائم في سوريا إلى نزاع فرقاء، وفصائل متناحرة، متساوية في العتاد، تضع الجلاد والضحية معاً في قفص واحد، وتختزل معاناة شعب كامل في فصيل مسلح، ونظام جائر بالَغ في الحصار والدمار على جزء من مدينة حلب، فيما تراب المدن الأخرى يتخضب بدم الشهداء تحت أقدام خصوم الأمس التي اجتمعت على الهدف والمصلحة المشتركة، وعلى تصفية عدو واحد توافقت عليه الأطراف ضمن المشروع الصهيوني في الشام، في واحدة من الحروب الهوجاء التي تعتمد أسلوب الأرض المحروقة لاستئصال المقاومة المسلحة.

وكان في كل مرة يتداول فيها الأطراف المعنية حرب سوريا المشتعلة، يكون الشعور بالإحباط هو السائد على طاولة الاجتماعات، وبات العجز عن مواجهة العدالة ذا دلالات فاضحة، راوغ فيها الشركاء بعضهما البعض لعرقلة مرور القرار الأممي، والقفز دائماً فوق معايير الحقوق، والنداء الإنساني.

ورغم أن الخلاف السياسي بين الشركاء الذي لا يبحث فوق طاولة المفاوضات، كما هو حال تصريحات المسؤولين في الإعلام، فإن العمل الاستخباراتي والعسكري يتم التوافق عليه عبر تنسيق الجهود في ضرب مواقع الاستهداف، مع إصرار البيت الأبيض والكرملين على تحميل الدول العربية مسؤولية بروز الإرهاب، وضرورة الانخراط في منظومة الحلفاء الجوية لمحاربته، وترك العمليات على الأرض دون سيادة أو قيادة حتى يتمدد الإرهاب بين المدنيين، ما أعطى النظام السوري وحلفاءه الضوء الأخضر في استخدام الأسلحة الفتاكة المحرمة كي يتقدم على الأرض، ويعزز من وجوده داخل المدن السورية بعد أن كان قد فقد السيطرة عليها.

وقد عمل التحالف الدولي مع روسيا على زيادة المعاناة للشعب السوري الذي انتفض على النظام المستبد في ثورة وُصفت بأنها كانت "ثورة أحرار" تعاطف معها المجتمع الدولي، وشجب في نفس الوقت ردة فعل النظام العنيفة لها، ما جعل بعض القوى تستغل ثورة الشعب في تنفيذ أجندتها السياسية عبر المفاوضات، والتنازلات التي تخدم مصالحها في المنطقة، ومصالح الكيان الإسرائيلي من خلال مواصلة دعم الأقليات والمذاهب التي تخالف أهل السُّنة، وهم أغلبية سكان سوريا.

لقد سعى النظام السوري قبل الثورة، ومن بعدها، إلى إشاعة الفكر الإرهابي في البلاد، وألبسه ثياب الإسلام الراديكالي بعد تنسيق استخباراتي دولي، وتوحيد طاقات الجماعات الشيعية الطائفية لتجوب الأرض طولاً وعرضاً، تبث الخوف والرعب بين المدنيين، وتفرغ الأرض من السكان، وقد نجح النظام في عزل المقاتلين الأحرار عن مسرح الصراع، الأمر الذي ساعد الخبراء الروس والأميركيين في وضع خطط التتبع العسكري للدواعش داخل العمق السوري.

لكن وجه الحقيقة هنا لا يؤخذ به طالما أن هناك دولاً عربية وغربية تشارك معاً في إخماد ثورة السوريين، وتحاول أن تقدم للرئيس الأسد انتصاراً يحفظ ما بقي له من مفهوم الرئاسة، بعد أن يتم إخراج المقاتلين من مناطق الصراع إلى مصير غير معلوم، ما يتيح للجانب الروسي والأميركي استئناف الحوار السياسي من أجل مستقبل سوريا الغد، يصبح فيه نظام الأسد طرفاً، في مواجهة شخصيات ليبرالية يتم اختيارها من قِبل الجانب الأميركي لتمثيل الشعب السوري في تلك المفاوضات، وهو ما قد اتفق عليه المبعوث الدولي دي ميستورا الذي يقول إن الوقت قد حان بالفعل للدخول في النقاش الجاد من أجل إبرام اتفاق يتيح للأمم المتحدة الإشراف على إجلاء المدنيين، ما قد يعتبر في نظر المبعوث الدولي إنجازاً كبيراً من شأنه تجنب المزيد من الدمار وإراقة الدماء.

وهناك توجُّه جاد من قِبل الشركاء في الأزمة السورية بتحسين الصورة النمطية للأسد قبل أن يتم تغييره لاحقاً، عبر السماح لقواته العسكرية وحلفائه بالسيطرة الكاملة على مدينة حلب، التي تعني للأسد انتصاراً حقيقياً، ومعنوياً لأهميتها الاستراتيجية للثوار وللسوريين جميعاً، ومن ثم ستأتي خطوة نزع السلاح من المعارضة، وقبولها بالجلوس على طاولة التفاوض دون شروط مسبقة.

وكون سقوط حلب قد أصبح واقعاً مسلّماً به، فإن المقاتلين قد تدبروا أمرهم بالثبات في الميدان، ومواصلة الكفاح المسلح داخل نطاق حدود الوطن، وسيكون أسلوب الكر والفر مزعجاً للشركاء، ومرهقاً أيضاً لأصحاب القرار السياسي في سوريا الغد، التي لن تذهب بعيداً عن حال جارتها العراق اليوم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد