في سنة 2007 خرج فؤاد عالي الهمة، الرجل الثاني في مملكة محمد السادس، كما كان يوصف حينها، من الباب الخلفي لأم الوزارات، وكان وزيراً منتدباً في الداخلية، لتأسيس ما أطلق عليه "حركة لكل الديمقراطيين".
الهدف المعلن من وراء هذا التأسيس كان "دعم المشروع الديمقراطي الحداثي، وقطع الطريق على مناهضي الديمقراطية والتصدي لبؤر الفساد" و"دعم الفعاليات الديمقراطية، والتصدي لاستعمال المال، وإفساد العملية الانتخابية"، أما الهدف الخفي فهو خنق الأحزاب الوطنية والتاريخية للتخلص من تركتها، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، الذي بدأ ينمو منذ منتصف التسعينات بشكل أربك حسابات الدولة، أي أن مشروع الأصالة والمعاصرة كما أراده القائمون عليه جاء لنفي مشروع آخر قائم الذات، مشروع مجتمعي يعبر عن حاجات وتطلعات حقيقية تجد صداها في المجتمع.
ظل الهمة، الذي حل فجأة ضيفاً فوق العادة على مختلف المنابر الإعلامية ينكر نيته تأسيس حزب سياسي، حتى أعلن رسمياً عن ميلاد الأصالة والمعاصرة في 8 أغسطس/آب 2008، كما أنه -الهمة- ظل الأب الروحي لهذا التنظيم حتى فبراير/شباط 2011؛ ليعود من جديد إلى قمقمه في عز الربيع الديمقراطي، ويكتفي بمراقبة المشهد من بعيد جداً.
اليوم يكون قد مر نحو العقد على هذا الميلاد الذي جاء في ظروف سياسية محلية ودولية عرفت في الأدبيات السياسية المعاصرة بما يسمى "الحرب على الإرهاب".
هذه "التهمة المطاطية" وجدت فيها الأنظمة الحديدية من المحيط إلى الخليج ضالتها في التنكيل بالمعارضة والتضييق عليها تحت ذريعة تجفيف منابع التطرف.
لم يشكل المغرب استثناء وقد كانت نتائج الانتخابات، سواء الجماعية أو التشريعية، تؤشر على تزايد شعبية حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، إذ إنه ظل يحل في مرتبة متقدمة رغم التضييق عليه ومنعه من الترشيح في عدد من المدن، يتوفر فيها على قاعدة شعبية واسعة.
خلال هذه المدة القصيرة تعاقب على الأمانة العامة للأصالة والمعاصرة أربع أمناء عموم، آخرهم إلياس العماري، الذي خرج أخيراً -أو بالأحرى أُخرج- إلى الضوء قبيل الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بمنطق "أكون أو لا أكون"، يمكن النظر لهذا الخروج الانتحاري من عدة زوايا، لعل أبرزها هو التخلص منه في حال عجز عن إثبات ذاته.
هذه القراءة تتوافق كثيراً مع ما عبر عنه العماري في "أطروحته" الجديدة التي دعا فيها إلى مصالحة تاريخية شجاعة، معدداً إيجابيات الاعتراف المتبادل والعيش المشترك، بعدما ظل يتوعد بمحاربة الإسلاميين.
"مقدمات في حاجتنا إلى مصالحة تاريخية شجاعة" بعد النتائج الحاسمة لانتخابات 7 أكتوبر والفرز الطبيعي بين أحزاب الشعب وأحزاب الأنابيب، لا يمكن اعتبارها اليوم مجرد دعوة عادية من أمين عام حزب أساء التقدير السياسي، أو نضجاً فكرياً، بل هي في الحقيقة بيان "شجاع" تبرأ من خلاله الواقفون خلف هذا المسخ من الاستمرار في دعمه وحمايته.
هذا المسخ الذي لم يستطع التأقلم في بيئة تختلف كثيراً عن بيئة مغرب سنوات الرصاص، فالجهات إياها قد اقتنعت أخيراً أن الحل الوحيد هو التخلص من هذا العبء، أي في النهاية الوصول إلى حالة "نفي النفي" نفسه، مما يعني أن حزب الأصالة والمعاصرة سيتحول في القادم من الأيام إلى حزب متخل عنه يعتمد على إمكاناته الذاتية وقدراته الطبيعية، وهو ما سيستوجب عليه التأقلم من جديد داخل الوسط السياسي وتعلم قواعد اللعبة من أولها، علماً أن "البام" لا يشكل أي حاجة مجتمعية، وبالتالي انتفاء السبب الموضوعي لتأسيسه أصلاً.
أما عن المصالحة التاريخية فهي قد بدأت بالفعل، لكن دون الأصالة والمعاصرة، بدأت بين الأحزاب التاريخية الوطنية، التي أدركت قياداتها تحت وقع نتائج 4 سبتمبر/أيلول و7 أكتوبر أن "البام" كائن فطري يتغذى على المحيطين به، وأن التموقع إلى جانبه يعطيه المشروعية في الاستمرار والتمدد، وذلك يتم طبعاً على حساب هذه الأحزاب نفسها، وما نتائج الانتخابات التشريعية عنا ببعيد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.