ما بعد ترامب

فوجئ العالم في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني بفوز مرشح الحزب الجمهوري الملياردير دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة، وخلافاً لكل التوقعات واستطلاعات الرأي العام أحرز ترامب تقدماً كبيراً في أصوات المجمع الانتخابي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/15 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/15 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش

فوجئ العالم في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني بفوز مرشح الحزب الجمهوري الملياردير دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة، وخلافاً لكل التوقعات واستطلاعات الرأي العام أحرز ترامب تقدماً كبيراً في أصوات المجمع الانتخابي.

على الرغم من ورود بعض الآراء بأن هذه الاستطلاعات لم تكن بالنزاهة المطلوبة، إذ شكك كثير من المحللين السياسيين بأن الإعلام كان متحاملاً على ترامب، فإن هذه الاستطلاعات ساهمت في تشكيل رأي سياسي أثّر على نتيجة الانتخابات، ويؤكد ذلك تفوق هيلاري كلينتون، إذ نالت عدداً أكبر من الأصوات على غريمها، وعلى الرغم من ذلك فاز ترامب بسبب نظام الانتخابات الأميركي الذي يعتمد على أصوات ما يسمى بالمجمع الانتخابي لا على نظام التصويت المباشر، كما هو متبع في غالب الدول الديمقراطية.

من الملاحظ في السنوات الأخيرة صعود التيارات القومية المتطرفة في غالب أوروبا الغربية، وخصوصاً بعد ظهور أزمة اللاجئين، فهل استطاعت الديمقراطية كممارسة حرة منع نشوء الكراهية والعداء للأقليات بما يخالف مبادئ العالم الحر الذي كانت أوروبا والولايات المتحدة تتباهى بها زمناً طويلاً؟ وها هي اليوم أول من ينقض غزله من بعد قوة أنكاثاً.

سنحاول في هذا المقال تحليل ظاهرة صعود هذه التيارات التي تكررت أيضاً في بريطانيا عند تصويتها لمغادرة الاتحاد الأوروبي.

يبدو أن ارتباط الأحزاب السياسية بمصالح الشركات الكبرى في الغرب قد ساهم في فشلها في تقديم مشاريع مجدية وتمس مصلحة الناخب، ولعل كثرة الوعود الانتخابية بالرفاه الاقتصادي وعدم تنفيذها في غالب الانتخابات السابقة قد ولّد اهتزازاً في الثقة بين الأحزاب والناخبين، مما شجع التطرف في التأييد لكل ما هو مخالف للثقافة السائدة من رفض للتمييز واحترام للآخر.

في تقديري أن أصل المشكلة اقتصادي بحت، فالأزمات المالية العالمية المتتالية التي ترجع في أصلها لعدة عوامل، منها السيطرة القوية على الاقتصاد العالمي من قِبل أنصار فكر السوق الحرة، وخصوصاً تلاميذ المفكر الاقتصادي ملتون فريدمان -المعروفين بصبية شيكاغو- الذي روّج لما يعرف بعقيدة الصدمة الاقتصادية، والذي ساهم في تمكين الشركات الكبرى التي بدورها دمرت ما تبقى من ثبات لدى الطبقة الوسطى، وسحقت الطبقة العمالية بشكل كبير، بل وزادت الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء داخل الدولة الواحدة وبين الدول كمجموعات.

ولعل الشعوبيين مثل ناجيل فراج، زعيم حزب الاستقلال الإنكليزي، الذي تبنى خطاباً انعزالياً ومعادياً للمهاجرين، قد استغل حالة اليأس تلك، وروج بأن المهاجرين هم سبب الركود الاقتصادي، الذي أثر بشكل كبير على الوظائف، وضغط على الطبقتين الوسطى والعمالية اللتين تشكلان غالب المجموعة الناخبة.

ولعل سذاجة وبساطة هذه الادعاءات قد جعلت المتخصصين في الاقتصاد يزهدون في الرد عليها، فالأمر ببساطة شديدة لا علاقة له بالمهاجرين، بقدر ما له علاقة بالإنتاج الصناعي والقدرة التنافسية، وسياسات تشجيع الاستثمار، ورعاية الاختراع وحماية الاقتصاد من تغول الشركات الكبيرة، ولكن فات على هؤلاء المتخصصين أن عامة الناخبين يميلون دوماً لمثل هذه الأفكار الساذجة والبسيطة، فمن السهل جداً أن تُلقي باللوم على أقرب شخص دون عناء التفكير في الأسباب وتحليل الأخطاء.

أيضاً لعب التحريض دوراً كبيراً في زيادة الاحتقان وزاد من حالة الغضب الشعبي تجاه ظل فيل المهاجرون مع غض النظر عن فيل النظام الاقتصادي الفاشل المتمركز في وسط الغرفة، ولا يستطيع كل من ترامب أو فراج أن يراه بشكل جيد.

شكّل المهاجرون الأساس الذي قامت عليه الصناعة والنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وبريطانيا، وساهمت أفواج المهاجرين في بناء هذه الدول، في ظل مناخ ينعم بالمساواة في غالبه، ويبدو أن مستقبل هذه الدول ليس مبشراً كماضيها.

لم تمنع الديمقراطية وحدها نشوء الحركات العنصرية وازدهارها، وما دام النظام الاقتصادي مرهوناً بمصالح الشركات، فإنه من الصعب اقتراح حل وحيد للمشكلة.

من الصعب التنبؤ بما يمكن حدوثه مستقبلاً، ولكن الشيء المؤكد الوحيد هو أن هتلر ألمانيا الذي يعتبر من الزعماء الشعبويين والعنصريين ضد كل ما هو ليس ألمانياً، وساهم في نشوء الحرب العالمية الثانية، ودمر ألمانيا القديمة، قد جاء للحكم أيضاً في بلده بوسائل ديمقراطية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد