العرب و”ترامب”!

لماذا لا ينتقل العرب، بكل ما يملكونه من مقدرات ومن مكانة وتاريخ ومن شعوب ومن ذكاء ودهاء، من وضع متأزم مبنيٍّ على الحكم الفردي إلى ما وصلته البشرية والإنسانية من الاختيار وتدويل القرار وتبادل الأدوار؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/13 الساعة 05:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/13 الساعة 05:16 بتوقيت غرينتش

صُدم كثيرون لانتخاب دونالد ترامب، الرئيس الأميركي الجديد، كما تناقلت ذلك قصاصات الأخبار بقناة الجزيرة، وغيرها من المنابر التي تنقل الكلم ولا تحرّفه عن مواضعه، ولعل كثيراً من أنظمتنا هزّها الهلع كذلك؛ تحسب ألف حساب لمن يملك زمام الأمور بالبيت الأبيض وتسارع إلى المباركة أياً كان الاسم بما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية ولغة المجاملات؛ نظراً لما تتخبط فيه هي، وبما يجعلها أسيرة القرار الأميركي السيد.

الفساد والاستبداد اللذان ينخرانها يجعلانها مفعولاً بها، مذعورةً؛ أيهم أشد عليها رحمةً، يضمن العلاقات، ويزكّي الوضع الحالي الجاري بها، ويتغافل عن ما يقع من تجاوزات واختلالات.

هذا الاهتمام المتزايد لأنظمتنا بالاستكبار العالمي، وعلى رأسه أميركا صانعة الإرهاب في العالم -"القاعدة ثم داعش ولا ندري ماذا سيخرج بعد ذلك"- لم يكن لسواد عيون واشنطن؛ بل هو خوف وطمع، يخفيان وراءهما الكثير من الجبن والتخلف.

ولم يفكر أحدهم يوماً: لماذا لا نتحول من موقع المترقب العبد المتسول والمستجدي إلى مرتبة الفاعل الدولي الأساسي في الرقعة العالمية؛ يقلّب الأحداث ويؤثر فيها وله صوت مسموع بالأمم المتحدة؟

لماذا لا ينتقل العرب، بكل ما يملكونه من مقدرات ومن مكانة وتاريخ ومن شعوب ومن ذكاء ودهاء، من وضع متأزم مبنيٍّ على الحكم الفردي إلى ما وصلته البشرية والإنسانية من الاختيار وتدويل القرار وتبادل الأدوار؟

أما زال العرب قاصرين عن النضج وعن صناعة مجتمعات مدنية حديثة متطورة متعلمة كبيرة، حيث تعود القاهرة وبغداد والرباط، تعطي النموذج وتقود العالم يوماً؟

عربنا ومسؤولونا معرّضون للابتزاز الدولي في كل مرة، يعطون المقابل لكي تستمر الجريمة في حق شعوبهم وليبقوا هم على كرسيّ السلطة للأبد بالبلد ولا حسد، حتى وإن كان أحدهم فوق كرسي متحرك، أو يكاد لا يحرك رأسه، أو تجاوز على رأس السلطة السنوات الطوال، حتى بدت تجاعيد الزمان على وجهه، فترى الشركات العابرة للقارات وتحت مسميات الاستثمار ورؤوس الأموال تنزل من فوق لتمتص ثروات الوطن دون وهن!

ما يقع بمصر أو سوريا، أو اليمن، ومحرقة العراق، ومآسي لبنان، الذي بالكاد يختار رئيسه، لا تعدل جزءاً من المائة مما يقع بأميركا من اختلاف حول الأصلح والطريق السالك لسياسات أميركية معروفة، مقنعة بالكثير من المساحيق. ترامب وكلينتون وجهان لعملة واحدة، أحسنهما مرٌّ، ونرهن -نحن كعرب- مستقبلنا بهم لخوارنا وعجزنا وينحصر النقاش أيهما أنسب وأقرب؟

نجحوا هم فيما أطلقوا عليه "ديمقراطية"، وكنا نسميه زماناً "شورى"؛ طوابير طويلة لصناعة الصندوق ومشاركة فاعلة، ثم خطابات حية قريبة من الجمهور، ينزل الرئيس إلى شعبه ويحس بنبضه ويلبي انتظاراته ويعكس الطموحات الكبيرة في الريادة والسيادة.

ومما يثير العجب أن دويلاتنا تخطب ود أميركا ليل نهار لكنها لا تحذو حذوها، وهي الكاتمة على أنفاس شعوبها قهراً وقسراً وجبراً، لا تفكر كيف يمكنها يوماً ما أن يصير العكس؟

فإذا استطعنا اليوم وغداً، أن نشمر عن ساعد الجد، لنلحق بالركب، لَما احتجنا أن نخصص كل قاعات القنوات ونحوّل أنظار أقطارنا المترهلة إلى نيويورك والولايات المتحدة، حيث يطمح كثير من شبابنا إلى الحلم بالسفر إلى هناك، وانتظار الحظ في قرعة قد تنقله إلى حيث العيش الرغد وأحسن بلد.

أزمة الحكم في بلداننا العربية والأنظمة الوراثية الجبرية مسألة لا يمكن القفز عليها؛ لأنها المفتاح الأول للنهوض، معضلة تتفرع عنها كل المشاكل والمساوئ وتجعل من العرب أضحوكة المنتديات، حين يتحدثون عن الانتخابات وعن الديمقراطية والكرامة والحرية وحقوق الإنسان في بلدانهم، وعين الفيسبوك فتحت العالم، فتكاد تجد في جيب كل مواطن قناة رقمية متنقلة، "عبر تقنية اللايف المجانية".

فهل ما زال المنطق الإعلامي التقليدي قادراً على حجب الحقيقة أو تسويق الخطاب الرسمي لدولنا في ظل هذا الانفجار التقني القادم الهائل؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد