عقد من الغياب

كمواطن سوداني اهتمّ لصورة وسمعة واسم بلدي بين الأمم، أحب أن أنبه البشير ونظامه أن الشرعية والعزة والكرامة لا تُستجدى بالمبادارت ولا تؤخذ الهتافات

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/25 الساعة 02:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/25 الساعة 02:41 بتوقيت غرينتش

عقدت في سبتمبر الجاري الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، أو كما أطلق عليها السودانيون الذكرى العاشرة لخلو مقعد السودان من رئيس الجمهورية عمر البشير. وقد كان لغياب الرئيس السوداني هذه المرة وقع مختلف، حيث لم يقم البشير باستخدام أي من عاداته السنوية قبل اجتماعات الأمم المتحدة، حيث يخرج مصرحاً أنه سيذهب لنيويورك متحدياً للعالم، مواجهاً للذئاب في معقلها، وأنه قد تقدم بطلب للحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة.

هذا الصمت جعل السودانيين يتساءلون هل وصل النظام السوداني لمرحلة اليأس من تغيير واقعه، أم أنه تكتيك جديد من النظام. وكان إبراهيم غندور وزير الخارجية قد مثل وفد السودان في نيويورك وألقى كلمة البلاد أمام قاعة فرغت من الحضور، إما بسبب عدم اهتمام قادة العالم بالسودان وكلمته أو احتجاجات على الاستماع لممثل نظام قائده مطلوب جنائياً. وجاءت كلمة غندور حزينة ومنكرة تستجدي من المجتمع الدولي الرأفة بحال السودان ورفع العقوبات عنه وعن رئيسه.

عموماً غياب رئيس الجمهورية عن اجتماعات الأمم المتحدة وللعام العاشر، مؤشر واضح وجلي للعزلة الدولية الشديدة التي يعيشها نظام المؤتمر الوطني على تبعات دعم الإرهاب والعقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة، ثم انتهاكات حقوق الإنسان التي وصلت لحد ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور التي جعلت البشير مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية منذ مارس 2003. الرئيس البشير شخصياً وجد نفسه في مواقف لا يحسد عليها؛ بسبب مذكرة اعتقاله
وتقلصت قائمة الدول التي باستطاعة البشير زيارتها لحفنة من الدول التي ما زال النظام يحتفظ بعلاقات معها كإثيوبيا ومصر وقطر والصين، وسابقاً إيران، وحالياً السعودية بعد انضمام السودان لمحور عاصفة الحزم في اليمن.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، نذكر بعض تلك المواقف، في 2011 في طريقه لزيارة الصين اضطرت طائرة البشير لتغيير مسارها بعد رفض تركمانستان إعطائها إذناً للعبور فوق أجوائها؛ مما تسبب في تأخّر وصل البشير لقرابة اليومين، ترقب خلالهما السودانيون مصير رئيسهم. وكان البشير مُنع أيضاً من العبور فوق المجال الجوي للسعودية خلال توجُّهه لطهران للمشاركة في تنصيب الرئيس روحاني في 2013. وفي نفس العام اضطر البشير لقطع مشاركته في قمة الاتحاد الإفريقي بأبوجا بعد أقل من 24 ساعة على وصوله؛ بسبب قيام المدعي العام بإيداع طلب لدى المحكمة الاتحادية العليا بنيجيريا لاعتقال البشير المطلوب دولياً.

ومرة أخرى في 2015 اضطر البشير للخروج خلسة من الباب الخلفي لجوهانسبرغ، حيث كان يحضر مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي استباقاً لحكم محكمة بريتوريا العليا بالقبض عليه استجابة لمذكرة الاعتقال الدولية..

هذه المواقف المحرجة للبشير جعلت المواطن السوداني يشعر بالخزي والإهانة
وهو يرى من يفترض أنه رمز لسيادة السودان يتعرض للإحراج مرة تلو الأخرى بدلاً من أن يقف شامخاً ممثلاً لدولة بوزن وحجم السودان.

ومما زاد من حنق السودانيين هو بحث البشير ونظامه عن أي وسيلة لإثبات شرعيتهم ووجودهم بين الأمم. فبعد صدور مذكرة اعتقاله تم تلقيب البشير على المستوى الرسمي في السودان بأسد إفريقيا باعتبار تحديه لقرار المحكمة الجنائية الدولية يجعله رمزاً لإفريقيا والأفارقة.

وبعد انضمام السودان لمعسكر السعودية والتحالف العربي المسمى بعاصفة الحزم في 2015 ومغادرة معسكر إيران التي كانت حليفة أصيلة لنظام البشير لفترة من الزمن، كان من نتائج هذه المشاركة، حدوث انفراج في علاقات السودان من بعض الدول؛ بسبب تأثير السعودية الإقليمي، فأصبح البشير قادراً على زيارة دول لم يكن باستطاعته حتى التفكير فيها لعدة سنوات مضت، كالهند وإندونيسيا.

وخلال زيارته للهند في 2015 للمشاركة في القمة الإفريقية الهندية، تم تكريم البشير من قبل جماعة سيخية بأجلاسه على ما سمي كرسي "الصحة الأبدية".
وأجبرت وسائل الإعلام السودانية على تغطية الخبر كإنجاز عظيم للرئيس يجب أن يفخر به السودانيون.

وعلى طريقة القذافي خلال العام الحالي، تم دعوة البشير من قبل ما يسمى بمنتدى الكرامة الإفريقية وتم تكريمه كـ"رمز للكرامة والعزة الإفريقية". وبعد عودته للبلاد تم إجبار طلاب المدارس وموظفي القطاعات الحكومية بالخروج للشوارع
واستقبال البشير في المطار والترحيب بموكبه. الجدير بالذكر أن البشير يقوم ببعض المبادارت بين الفينة والأخرى في عدة دول إفريقية من أجل إكساب نفسه ونظامه بعض الزخم، فمثلاً قام البشير بالتبرع ببناء مستشفى حديث في جيبوتي افتتح في العام الماضي، وتبرعه بسيارات إسعاف لإثيوبيا وحافلات نقل لجامعة أديس أبابا خلال هذا العام ومؤخراً تبرعه بتكلفة حج مواطنين من عدة دول إفريقية.

كمواطن سوداني اهتمّ لصورة وسمعة واسم بلدي بين الأمم، أحب أن أنبه البشير ونظامه أن الشرعية والعزة والكرامة لا تُستجدى بالمبادارت ولا تؤخذ الهتافات
ولا تشترى بالتكريمات. العزلة المفروضة على السودان لها تداعيات جلية على عامة أفراد الشعب السوداني الذين صاروا منبوذين في كثير من دول العالم
وأصبحت مسألة استخراج تأشيرات دخول لبعض هذه الدولة شبه مستحيلة. أيضاً يعاني السودانيون من انعدام فرص التعليم والعمل و طوير الذات. السودان صار محروماً من الاستفادة من التقنيات الحديثة في شتى المجالات، كالصحة ولتعليم
وغيرهما.

الصادرات انعدمت والواردات ضيقت؛ مما جعل الاقتصاد السوداني يصل مرحلة مريعة من التدهور ووصلت أعداد السودانيين الذين غادروا البلاد في آخر عشر سنوات لأرقام غير مسبوقة، فسرتها وزيرة الرعاية الاجتماعية عفاف أحمد عبد الرحمن، بأن الهجرة سنة نبوية وعلى الشباب الاقتداء بها! هل يعقل أن البشير نفسه قد صدق كذبة تكريمه برمز عزة وكرامة إفريقيا في وقت لم يتحصل فيه نيلسون مانديلا على لقب كهذا رغم عدم اختلاف أي مواطن إفريقي واحد على مكانة الأخير.

لماذا يتباهى ما يسمى بالنظام الإسلامي بتكريم يعطي الأبدية الدنيوية لحامله؟
وكيف رضي البشير بالتبرع ببناء مستشفى في جيبوتي في وقت تتبرع فيه بعد دول الخليج لإنشاء مستشفيات في السودان. وإذا كان باستطاعة البشير التبرع بسيارات إسعاف لإثيوبيا لماذا لم يتبرع بها للسودان بدل أن تقوم بذلك منظمات خيرية إقليمية تمد السودان بسيارات الإسعاف والتجهيزات الطبية من وقت لآخر.

أما آن للبشير ونظام ترك العنتريات ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه لاستعادة اسم ومكانة السودان الدولية. سيدي الرئيس لن تجد سودانياً واحداً يفخر بأخبار تأخر طائرتك أو تعجيل خروجك بسبب الضغوطات التي تواجهها. ولن تجد سودانياً واحداً يتشدق بعباءة الكرامة الإفريقية التي جئت متوشحها من إثيوبيا. ولن تجد سودانياً يسعد بخطاب غندور المنكسر أمام قاعة الأمم المتحدة الخاوية على عروشها. ولكن سيفخر السودانيون بقائد يقف بكل شموخ بين قادة العام ليمثل شعباً وأرضاً بتاريخ وحضارة لا مثيل لها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد