يوم من أيام سنغافورة

إن أسخف الإجابات على الإطلاق هي تلك التي تواجه الفضيحة بالعار، فإذا قلت لأحدهم إن شربك للخمر حرام، يقول لك: حتى أبوك يشربها، إن من عادة المسوقين الحذاق أن يحصروا خيارات الزبون في البضاعة الموجودة في دكانتهم فقط، وكأن السوق ليس بها سواها

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/24 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/24 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش

ليس سراً أن كثيراً من الليبيين الذين كانوا يكرهون القذافي في الدم يترحمون اليوم على عهده، ويتمنون يوماً من أيامه، وليس ذلك لذكرى جميلة خلفها القذافي بعده كلا، ولكن ذلك كان استنكاراً لما آلت إليه معيشة الناس اليومية في البلاد بعد الثورة، وأعتقد بل وأجزم أن هذه الحالة النفسية العجيبة ليست صدفة، ولا حدثاً عارضاً، ولكنها خطة مدروسة تشبه خطة ذلك الحكيم أو الخبيث الذي اشتكى إليه أحدهم بأن شقته ضيقة، وأنه قد ضاق ذرعاً بالحياة بسببها، الحكيم اشترط على صاحب الشقة الضيقة أن يتبع التعليمات التي ستخلصه من ضيق الشقة خطوة خطوة، وكأنه يقول له فإن اتبعتني فلا تسألنِ عن شيء حتى أُحدث لك منه ذِكراً.

قال الحكيم للرجل: اشترِ حماراً وأسكنه معك في الشقة صرخ الرجل في وجهه "حمار:؟
أقول لك شقتي ضيقة تقول لي اشترِ حماراً، قال له: ألم نتفق أن تنفذ التعليمات دون اعتراض؟

استسلم الرجل مكرهاً واشترى الحمار وأسكنه معه الشقة، ولكن نهيق الحمار وروثه ورائحته لا تحتمل، جاء الرجل للحكيم وقال له: أرجوك خلصني من الحمار، الوضع لم يعد يُطاق، غير أن الحكيم قال له: بل عليك أن تنفذ الخطوة التالية، وهي تشتري خروفاً يسكن معك في الشقة بجانب الحمار، واستسلم الرجل ثانية لمأمأة الشاة وبعرها وصوفها ورائحة بولها، وجاءه بعد أيام يبكي يقول:

"يوم من أيام الشقة الضيقة يا راجل، حرام عليك، هذه لم تعد شقة، لقد أصبحت زريبة أو إسطبلاً" قال الحكيم: كلمني بعد أن تشتري الدجاجات وتضعها مع الحمار والخروف، كاد الرجل يقع مغشياً عليه لولا موافقته على السمع والطاعة، واستقبل الرجل الدجاجات ليكون لديه حظيرة تضيف هماً إلى همومه، وقبل أن يشق الرجل عصا الطاعة ويتمرد على الحكيم الخبيث، جاءه الفرج حيث أمره ذلك الحكيم بالتخلص من الحمار، وقد كان يوماً من أسعد أيامه لا يضاهيه إلا يوم التخلص من الخروف، والجائزة الكبرى يوم التخلص من الدجاجات!

وعاد الرجل إلى شقته الضيقة راضياً مرضياً يراها أوسع شقة في الدنيا!

إن الاعتراف هو سيد الأدلة، وإن الرجل الذي وقف بباحته الخضراء متوعداً ليبيا بأن تصبح بركة دم، قائلاً بالحرف الواحد "من غدوة تفتح مخازن الأسلحة وتصبح ليبيا نار حمرا جمر"، هو وعصابته هم من أغرق البلاد بالبعر والروث والريش والبول والنهيق والنقنقة؛ لكي نترحم على يوم من أيام ضيقه وظلمه وعدوانه، ثمة أيام أخرى ينبغي أن نحلم بها غير أيام القذافي، انظروا حولكم في هذا العالم الفسيح، فَفيه تجارب أخرى تليق بأحلامكم وأحلام أطفالكم.

إن أسخف الإجابات على الإطلاق هي تلك التي تواجه الفضيحة بالعار، فإذا قلت لأحدهم إن شربك للخمر حرام، يقول لك: حتى أبوك يشربها، إن من عادة المسوقين الحذاق أن يحصروا خيارات الزبون في البضاعة الموجودة في دكانتهم فقط، وكأن السوق ليس بها سواها، حتى يجد المسكين نفسه أمام ثلاثة خيارات، وكأنه في امتحان على الطريقة الأميركية، بعضهم يريدنا أن نختار الإجابة الصحيحة من ثلاثة خيارات؛ إما حكم العسكر، أو التطرّف الديني، أو فوضى الجماعات المسلحة، فإذا أخبرته أن ما يحدث في "فنفودة" ظلم، أخرج لك ملف تاورغاء، وإذا حدثته عن التدخل الأجنبي عيّرك بتدخل الناتو، وإذا قلت: إن الفوضى خربت البلد، قال لك: ما رأيك بالقذافي؟

أليس في السوق سوى هذه النماذج الفاشلة؟ أليس من حقنا أن نحلم بعالم أجمل؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد