مَن يتابع ويحلل مجريات الأحداث في الشأن الأردني يرى مستوى تدني الحريات وحقوق الإنسان في مملكة تتغنى الأداة الإعلامية فيها بالمستوى الديمقراطي الأردني، وبأن "الإنسان أغلى ما نملك"، في حين أن الواقع هو أن المواطن الأردني هو أرخص مواطن، ولا يملك الحرية في إبداء رأيه؛ لأن رأيه يجب أن يكون في ظل الملك وعائلته، كما يجب على المواطن الأردني إظهار ولائه لهم ليلاً نهاراً، والتسبيح بفضلهم، والسجود قياماً وقعوداً وفي العشي والإبكار لعبد الله الثاني ورانيا الياسين، التي تمارس دور الملك في الحكم، فضلاً عن دورها الانتقامي الواضح في توجيه الأجهزة الأمنية لتصفية وملاحقة كل معارض أردني انتقدها أو عارض الحكم الملكي الشمولي في الأردن المنكوب.
اعتاد النظام الملكي في الأردن خلق زعامات وأشخاص، ووضعهم في مراكز صنع القرار، ومدهم بأتباع مأجورين من النظام نفسه؛ حيث يلعب هؤلاء الأتباع دور البلطجة والتسحيج لدعم وحماية هذه الشخصيات التي جلبها عبد الله الثاني ورانيا، وهذه الطريقة الرخيصة اتبعها عبد الله الثاني ورانيا منذ سنوات؛ لضمان آلية استمرار حكمهما وللتغطية على كفاءات ونخب الشعب الأردني، فالأحرار في المعتقلات، وخدم الملك والملكة في القصور وفي صنع القرار الأردني.
على سبيل المثال لا الحصر، عندما نتناول قضية اغتيال المعارض الأردني ناهض حتر، لا بد هنا من التذكير باغتيال المعارض الأردني محمود عبد الرؤوف صالح خليفة العواملة، الذي تم اغتياله في بيته في منطقة أم أذينة في عمان فجر يوم الجمعة الموافق 2 يونيو/حزيران 1995، والغريب أن كل وسائل الإعلام الأردنية مارست التعتيم والطمس الكامل لتلك الجريمة التي هزت أركان المجتمع الأردني في ذلك الوقت، تماماً كما حدث في الآونة الأخيرة في قضية مقتل ثريا وجمانة السلطي التي وضعت في أدراج النسيان.
تاريخياً وفي الحالة الأردنية تحديداً، يظهر جلياً أن ما يسمى العائلة الهاشمية قد مارست ومنذ قدومها من قِبل الانتداب البريطاني للأردن، مارست أساليب ووسائل اتجهت لتأليه الحاكم وسلالته ابتداء من عبد الله الأول، والملك حسين، ووصولاً لعبد الله الثاني، علماً بأن واقع حال الشعب الأردني يُظهر بما لا يدع مجالاً للشك أنه لم يُخيّر أبداً في اختيار من يمثله، شأنه كشأن أغلب الشعوب العربية، وذلك على الرغم من وجود الإرادة الشعبية لدى الأردنيين للتغيير ومنذ عقود، لكن الإعلام الأردني الذي يسيطر عليه النظام دائماً والقبضة الأمنية التي فرضها على البلاد شكلت مجتمعة ستاراً يحجب تلك الإرادة الشعبية.
في الوضع الأردني تحديداً تجدر الإشارة إلى أنه لم يجتمع الأردنيون منذ إنشاء إمارة شرق الأردن في عام 1921م على عائلة عبد الله الأول، كما يروج النظام الأردني، والتاريخ شاهد منذ فترة فرض تلك العائلة على الأردنيين من قبل الانتداب البريطاني، كما أنه لا يوجد أي عقد اجتماعي تاريخي مُوّثق بين زعماء الأردن في عام 1921م وعبد الله الأول، كما يدعي النظام الملكي زُوراً وبهتاناً لتبرير اغتصابه لحكم الأردن وتكميم الأفواه، وقتل حرية الرأي حتى في التعبير.
نعود لقضية اغتيال الكاتب ناهض حتر ونقول هنا بأنه لا بد من وجود جهة دولية محايدة تشارك في عملية التحقيق مع ممثلين يختارهم الشعب الأردني نفسه، وليس النظام وحده، ونكرر هنا تحديداً ماذا عن ملف اغتيال المعارض الأردني محمود عبد الرؤوف صالح خليفة العواملة هل يجرؤ عبد الله الثاني وحكومته على نشر المعلومات المتعلقة باغتياله وتصفيته عام 1995م؟ هذا الاغتيال الذي تم في بلد يُطبل ويُزمّر فيه أزلام النظام بأنه بلد الشفافية والأمن والأمان، فأين الأمن والأمان لأي معارض أردني يعبّر عن رأيه وهو موجود في داخل الأردن؟ وأين الضمانة داخل الأردن لحماية أي معارض أردني في الرأي ضد عبد الله الثاني ونظامه؟ أين الضمانة من عدم اغتيال أي معارض، أو اعتقاله وتعذيبه واتباع سياسة الموت البطيء بحقه، والتنكيل به وبعائلته، ومحاصرتهم اقتصادياً، واستهدافهم رسمياً من قِبل النظام الأمني الذي فرضه عبد الله الثاني ورانيا الياسين على الشعب الأردني المنكوب؟ وهنا نُذكِّر بما جرى مع المعارض الأردني عبد الإله المعلا الزيود في واشنطن عندما دُسّت له مادة سامة في قهوته عند زيارته للسفارة الأردنية في واشنطن، ونجاته بفضل من الله وحده بعد علاجه، وتفاصيل القضية موجودة ويسردها الرجل نفسه.
أما في قضية -أو بالأحرى مسرحية- الانتخابات النيابية الأردنية لمجلس النواب الأردني الثامن عشر لعام 2016، فهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما جرى يعتبر دليلاً واضحاً وبرهاناً على انعدام شرعية حكم عبد الله الثاني وحكمه الآيل للسقوط.
حاولت وسائل الإعلام الأردني بائسة وفاشلة التغطية على جريمة ذبح الديمقراطية الأردنية، التي جرت أخيراً من خلال الترويج لنزاهة العملية الانتخابية ونجاحها المزعوم، علماً بأن كل العالم يعلم أن الديمقراطية وحرية الرأي مفقودة في الأردن المحتل من قِبل عبد الله الثاني ورانيته وشللهما الذين دمروا ونهبوا مقدرات الأردن وكرامة الأردنيين، علماً بأن نسبة التصويت الحقيقية في مسرحية الانتخابات الأردنية لم تتجاوز 25%، بالإضافة لما حصل من سرقة واختفاء الصناديق المخصصة للانتخاب في منطقة البادية الوسطى باعتراف النظام الأردني نفسه، فعلاً وضع أردني مضحك ومحزن في آن معاً.
كان الأشرف والأجدى أن يُطل علينا عبد الله الثاني من خلال شاشة التلفزيون الأردني الرسمي؛ ليعتذر علناً أمام الأردنيين عن مديونية تجاوزت مبلغ 37 مليار دولار أميركي، والتي سببها للأردن بنهبه واستغلاله لثروات الأردن ومقدراته، بدلاً من استمرار هروبه والاختفاء الدائم له ولحاشيته بالسفر والرفاه في دول العالم، هذه هي الشجاعة السياسية التي يجب أن يتحلى بها قادة الأمة، والتي يفتقدها للأسف الأردن الحالي في ظل حكم ملكي أهلك الحرث والنسل.
لم يعتذر عبد الله الثاني عن سياسة تكميم الأفواه التي اتبعها، وما زال يتبعها، لم يعتذر عن الاعتقالات والتعذيب والملاحقات الممنهجة للأحرار والنُخب الأردنية، ولم يعتذر عن تدمير صوت الأردنيين الحرّ، وبكل وقاحة وصلف يستمر هو ورانيا في النهب واستحقار الشعب الأردني والمضي في الاستعراضات والأسفار الهوليوودية والتسوق والتشبيح.
في عصر التكنولوجيا والثورة الرقمية، وفي انتهاء عهد القرون الوسطى والعبودية منذ أمد بعيد، وفي ظلال ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يبقى منظر الأردن الحالي ورهطٌ من شعبه ما زالوا يطرقون إما جهلاً، أو عوزاً، أو خوفاً، أو تبعية ما زالوا يطرقون ويقفون "على أبواب سيِّدنا وستّنا كما يقولون" ليمنّ ويتفضل عليهم سيّدهم عبد الله الثاني وستّهم رانيا، ويلقون عليهم من فتات ما يجودون به مما يسمونها مكرمات هي في الأصل من ممتلكات وموارد الشعب الأردني نفسه.
فمن مملكة الخوف الأردني ومن عبودية "سيّدنا وستّنا" سينهض الأردنيون الأحرار لبناء أردن جديد بخارطة طريق تعيد الكرامة للشعب الأردني المنكوب، أردن بحريّة حقيقية للرأي لا مكان فيها للعبد ولا حكم فيها للسيّد والستّ، ذلك الأردن المنشود بلا قمع أو إرهاب ملكي يرتدي أثواباً ملائكية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.