النظام السياسي الحالي في المغرب قائم على التعددية الحزبية؛ حيث يتوافر المغرب على أكثر من ثلاثين حزباً تمثل مختلف التوجهات الفكرية والأيديولوجية والعرقية، منها ما يعتبر من الأحزاب العتيقة، ومنها الحديث، ولطالما كانت المنافسة بين الأحزاب تعرف تقارباً كبيراً، خاصة بين الأحزاب الوطنية أو أحزاب ما بعد الاستقلال.
لكن هذا التوجه أصبح يتغير منذ إقرار الدستور الجديد سنة 2011، مما يدفعنا إلى البحث في التاريخ الحزبي للمغرب، والسبب الذي جعل الانتخابات المغربية تأخذ منحى ثنائياً بين تيارين مختلفين كلياً، سواء من حيث الأيديولوجية أو التركيبة السياسية.
العمل السياسي في المغرب كان بديلاً للكفاح المسلح من أجل الاستقلال، فكان حزب الاستقلال يجمع نخبة من المثقفين ورجال الأعمال الوطنيين العاملين على إنهاء الحماية الفرنسية، وكلل هذا العمل بوضع وثيقة الاستقلال؛ ليدخل المغرب مرحلة الحزب الوحيد، التي استمرت إلى حين انشقاق بعض قادة الحزب، وتكوين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛ لتتوالى بعدها الانشقاقات، كما تم إنشاء أحزاب جديدة بسبب اختلاف في الرؤى والمصالح.
كما أن هناك أحزاباً تكوَّنت بناء على طلب مما أطلق عليه حينذاك "المخزن"، محاولة منه في السيطرة على العمل السياسي المغربي في فترة كان للأحزاب كلمة مفصلية في الكثير من الانتفاضات والصراعات بين الشعب والنظام الحاكم، فانقسمت الأحزاب إلى قسمين: أحزاب موالية للحكم تسعى إلى المحافظة على ما جنته خلال فترة ما بعد الاستفلال، وأحزاب معارضة، سواء للحكومات المتوالية أو للنظام العام.
استمرت هذه الفترة طيلة السبعينات والثمانينات؛ ليصل المغرب بعدها إلى مرحلة التناوب التي كانت مرحلة مفصلية في تاريخ المغرب؛ حيث تم إقبار المعارضة بشكل لم تستطِع بعده النهوض إلى الآن، فكانت انتخابات 2002 هي النهاية لأحزاب المعارضة بالشكل المتعارف عليه، فأصبحت هناك معارضة شكلية في البرلمان لا تستطيع منع أي من القوانين، أو وضع قوانين بديلة؛ نظراً لفقدانها المصداقية الشعبية من جهة، ونظراً لكونها لجأت إلى المعارضة بشكل اضطراري وليس عن اقتناع، فأضحت الأحزاب تختار المعارضة فقط؛ لأنها لم تجد لها مكاناً في الحكومة.
وهنا نستحضر تجربة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، فبعد فوز حزبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعيبة في الانتخابات 2002 بفارق مقعدين عن حزب الاستقلال، لم يستطِع تشكيل الحكومة ليعين الملك إدريس جطو على رأس الحكومة، فكان حرياً بالحزب اختيار المعارضة، لكن قادة الحزب الجدد فضلوا المصالح الشخصية؛ ليجدوا أنفسهم بعد ذلك بسنوات يتخبطون لاستعادة جزء من مصداقيتهم لدى الشعب دون جدوى.
بعد إقرار الدستور الجديد، وجد الشعب في حزب العدالة والتنمية بديلاً للأحزاب التاريخية، بديلاً فرضَته الظرفية العربية حينذاك, وبزوغ ظاهرة الإسلام السياسي في الكثير من الدول، فاستطاع أن يفوز في الانتخابات التشريعية الأولى بعد الدستور بفارق لم يتوقعه أكثر المتفائلين في هذا الحزب، لكن في نفس الفترة، ظهر حزب حديث العهد هو حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أعاد إلى الأذهان فكرة الأحزاب "المخزنية"، أو الحزب المدعوم من طرف الدولة.
فأصبح المشهد الحزبي منقسماً بالأساس بين هذين الحزبين: الأول ذو مرجعية إسلامية، والثاني ذو مرجعية ليبرالية؛ ليتأكد هذا التوجه في انتخابات 2016؛ حيث حاز الحزبان أكثر من 37 في المائة من المقاعد في البرلمان، مقابل اندحار الأحزاب التقليدية بشكل غير مسبوق، انتخابات أكدت أن الأحزاب التاريخية فقدت قدرتها عن استمالة الناس وكسب تعاطفهم، مقابل ظهور لشكل جديد من الخطاب السياسي، ونوع من الممارسة السياسية غير المعهودة في المغرب.
هذا الطرح سيجعلنا نفكر في إمكانية ضمور هذه الأحزاب وخروجها تدريجياً من المشهد السياسي المغربي، أو تشكيلها لتحالفات مع الحزبين المذكورين، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث المنافسة ستكون بين تيارين: أحدهما إسلامي محافظ، والثاني ليبرالي متحرر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.