من منا ليس في حاجة لوصفة النجاح السحرية؟ تلك الوصفة التي لا تتطلب بذل كثير جهد أو عناء، وتحتاج من الإنسان فقط إلى اتباع تعليمات محددة وواضحة من شخص مجرب، دكتور أو بروفيسور كما يحب أن يُطْلِق الآخرون عليه، يسايرك خطوة بخطوة إلى أن تبلغ أعلى مراتب النجاح مستعيناً في ذلك بتجربته الشخصية وتجارب أشخاص آخرين من الناجحين في هذه الحياة، والذين بلغت سيرهم الآفاق ووصلت قصص نجاحهم إلى كل مكان. لكن هل الأمور تسير فعلاً بهذه السهولة التي يروج لها البعض؟
خلال السنوات الأخيرة ظهرت في عالمنا العربي موجة أو ظاهرة "التنمية الذاتية" رغم أنها بدأت في الغرب قبل ذلك بكثير، ولقيت رواجاً كبيراً في أوساط مجتمعاتنا، فَكُتِبت عنها المقالات والكتب الكثيرة، ونُشِرَت حولها الفيديوهات المختلفة على منصات التواصل الاجتماعي ونُظِّمَت لها المحاضرات والدورات
التكوينية وظهر على الساحة مجموعة من الخبراء والمدربين في علوم التنمية البشرية، والذين نال الكثير منهم شهرة كبيرة.
واستأثرت فئة الشباب العربي بحصة الأسد في الاهتمام بظاهرة التنمية الذاتية والتي تُعْرَف بأنها مجموعة من العمليات التي تهدف إلى توسيع قدرات الأشخاص وزيادة خبراتهم بغرض الوصول إلى الرفع من مستوى دخلهم والحصول على حياة صحية على المستوى البدني والنفسي وحسن مواجهة مشاكل ومطبات الحياة والتغلب عليها، كل هذا بواسطة مجموعة آليات هي مزيج مما هو "علمي" بالإضافة إلى خلاصة تجارب الناجحين من السابقة.
فبالنسبة للكثير من الشباب العربي، أصبحت التنمية البشرية هي طوق النجاة من واقع مُزْرٍ، والحل السحري الذي سيجعل من الشاب العربي "بيل جيتس" أو "مارك زوكربيرغ" جديدين في ظرف قياسي، وبمجرد قراءة كتاب أو مشاهدة عدد من الفيديوهات على اليوتيوب أو حضور محاضرة أو شراء مجموعة من دروس التنمية البشرية المنمقة بعناية وتطبيق مضمونها بالحرف الواحد من دون مراعاة اختلاف الظروف والبيئة المحيطة وخصوصية كل حالة ومن دون بذل أي مجهود.
ورغم أننا لا يمكن أن ننفي أن التنمية الذاتية قدمت إفادة كبيرة للكثيرين، خصوصاً الشباب منهم، إذ إن هذا هو الهدف الرئيسي من هذه العملية، ولا ننفي كذلك وجود خبراء في هذا المجال على مستوى فكري عالٍ، سواء تعلق الأمر بالعرب منهم أو الغربيين، إلا أننا كذلك لا يمكن أن نُغْفِل أن التنمية الذاتية تحولت في الآونة الأخيرة إلى عمل من لا عمل له، حتى ظهر في كل حي وحارة في عالمنا العربي خبير أو مدرب تنمية ذاتية، وتحولت هذه الأخيرة من مجال للمساعدة والدعم إلى مجال للربح المادي وحتى الاغتناء السريع مما ساهم للأسف في تمييع هذا المفهوم.
هذا النوع من الأشخاص الذين يَدَّعُونَ أنهم خبراء تنمية ذاتية لا يتوانون في استغلال "سذاجة" متابعيهم ممن يعتقدون أن مسيرة النجاح سهلة، وأنها لا تتطلب سوى تركيزاً بسيطاً في النصائح التي سيمنحها لهم هؤلاء، نصائح تصل في بعض الأحيان حد البلاهة والبلادة، حتى يكاد يُخَيَّلُ للمرء أن مجرد إغلاق العينين والتنفس بشكل صحيح وقول كلمة "أنا ناجح" ستجعل من الإنسان فعلاً شخصاً ناجحاً من دون أي تعب أو مجهود.
تجار السذاجة هؤلاء لا يكتفون فقط باستغفال متابعيهم من خلال تقديم أنفسهم على أنهم خبراء وتقديم تعريفات وهمية لأنفسهم على أنهم دكاترة وبروفسورات وأنهم مجازون من كبريات الجامعات العالمية وجعل أسماء بعض الباحثين والمفكرين العرب خصوصاً منهم الراحلين أصلاً تجارياً، لكنهم كذلك يجعلون من ثقة الناس بهم مصدراً أساسياً للدخل المادي في تعارض تام مع مبادئ التنمية الذاتية التي لا شك بأنهم يسيئون إليها بشدة.
لكل هؤلاء نقول: كفى من استغلال سذاجة الشباب والباحثين عن النجاح، كفى من صناعة الغباء يا تجار السذاجة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.