هل تستمر تجربة الإسلاميين المغاربة على رأس التحالف الحكومي لولاية ثانية؟ سؤال سيجيب عنه المغاربة الجمعة عبر صناديق الاقتراع، فيختارون بين تجديد الثقة بالإسلاميين وخصومهم المطالبين بـ"الحداثة"، علماً بأن التوقعات ترجح عدم حصول مفاجآت في نظام سياسي يحتفظ فيه الملك بمعظم السلطات.
وللمرة الأولى في تاريخ الانتخابات التشريعية يحصل هذا الاستقطاب القوي بين حزبين أساسيين: هما حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود التحالف الحكومي الحالي، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس في 2008 على يد فؤاد عالي الهمة، صديق دراسة الملك ومستشاره الحالي قبل أن ينسحب منه في خضم الحراك الشعبي سنة 2011 عندما اتهمه متظاهرون بالفساد.
تطبيع مع مطالب الشارع
وتمثل هذه الانتخابات بعد مرور 5 سنوات على انطلاق حركة 20 فبراير الاحتجاجية التي مثلت النسخة المغربية لـ"الربيع العربي"، مرحلة جديدة من التطبيع مع مطالب الشارع بعد المراجعة الدستورية التي أعلنها الملك محمد السادس بداية 2011 في محاولة لتهدئة الاحتجاجات.
وعقب التصويت على الدستور صيف 2011 بأغلبية ساحقة (98,49٪)، تم تنظيم انتخابات برلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني شهدت فوز الإسلاميين المغاربة للمرة الأولى في تاريخهم بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
واستناداً إلى الدستور الجديد، كلّف الملك محمد السادس رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات، وهو عبدالإله بن كيران المعروف بشخصيته الكاريزماتية، بتكوين تحالف حكومي ضم إلى جانب الإسلاميين كلاً من الليبراليين والمحافظين والشيوعيين.
ولا يسمح النظام الانتخابي المغربي بفوز أي حزب بالأغلبية المطلقة للأصوات، ما يضطر الحزب الفائز بالمرتبة الأولى الى البحث عن حلفاء يؤثرون في الغالب في وعوده الانتخابية وطريقة تسييره للقطاعات الوزارية.
يضاف الى ذلك، أن الملك يبقى صاحب القرار الأخير في "المسائل الاستراتيجية والبعيدة المدى"، بحسب ما يلاحظ تقرير لمركز "كارنيغي" للأبحاث نشر أخيراً.
وقد أعلن قياديو حزب العدالة والتنمية ثقتهم بانتصار انتخابي جديد من أجل "ولاية ثانية" في الحكومة لـ"مواصلة الإصلاحات"، بحسب تعبيرهم.
مواصلة الإصلاح "المحتشم"
وفي وقت تعتبر فيه المعارضة الحزبية والنقابات واتحاد رجال الأعمال أن إصلاحات الحكومة في عهد الإسلاميين "ضعيفة ومحتشمة"، يقدم بن كيران إصلاحاته على أنها "أنقذت القارب من الغرق"، في إشارة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة للبلاد.
ومن أهم ملفات الإصلاح التي لم تتجرأ الأحزاب المغربية في السابق على الاقتراب منها لأنها تمسّ جيب المواطن مباشرة، رفع الدعم عن المواد الأساسية التي أنهكت كاهل موازنة الدولة، خصوصاً دعم المحروقات، إضافة الى إصلاح أنظمة التقاعد التي أشرفت على الإفلاس.
ورغم أن هذين الإصلاحين وُصفا مراراً بـ"اللاشعبيين" من طرف المعارضة وفئات كبيرة من المغاربة، فقد لقيا ترحيباً من الهيئات المالية الدولية، وحافظ الإسلاميون على شعبيتهم طيلة السنوات الخمس الماضية من توليهم للحكومة.
لكن جزءاً من خطاب الحزب المتعلق خصوصاً بحرية المرأة والحريات الفردية جعله محل انتقاد مستمر من كثير من الأطراف، وعلى رأسها غريمه حزب الأصالة والمعاصرة الذي يصف تلك الإصلاحات بـ"الكارثية" ويتهم الحزب الإسلامي بـ"دعم التطرف والولاء لتنظيم الإخوان المسلمين"، وهو أمر ينفيه العدالة والتنمية.
ليس لديه برنامج مختلف
ولا يقترح حزب الأصالة والمعاصرة برنامجاً انتخابياً مختلفاً كثيراً عن برنامج العدالة والتنمية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لكنه يقدم نفسه كـ"مدافع عن الحريات" وبديل لتحسين ظروف المرأة ومكانتها في السياسة والمجتمع.
وفي محاولة لتجنب المواجهة المباشرة مع القصر الملكي، يتهم العدالة والتنمية خصمه السياسي، وبدرجة أقل وزارة الداخلية التي تدعم حزب الأصالة والمعاصرة، بأنهما أداة لـ"التحكم وانعكاساً للدولة العميقة"، متهماً الطرفين في كل مناسبة باستخدام "الأساليب الاستبدادية" للسيطرة على الحياة السياسية.
و"التحكم" هو المصطلح الرئيسي الذي استعمله عبدالإله بن كيران وقياديو حزبه قبل انطلاق الحملة لتوجيه اتهامات لخصومهم بمحاولة التحكم في نتائج الانتخابات والحياة السياسية، لكن رئيس الحكومة توقف فجأة عن استعمال هذا المصطلح بمجرد انطلاق الحملة التي مرت حتى الآن في جو هادئ.
ودعا بن كيران المغاربة إلى إعطائه أصواتهم، موضحاً في تصريح صحفي أن "الأهم لحزبه هو القيام بعمله والبقاء على ولائه للملك، دون الانبطاح".
وتشارف الحملة الانتخابية التي انطلقت قبل 11 يوماً على الانتهاء، ودُعي قرابة 16 مليون مغربي مسجلين في اللوائح الانتخابية للإدلاء بأصواتهم الجمعة المقبل من أجل اختيار 395 نائباً في 92 دائرة انتخابية وفق نظام الاقتراع اللائحي النسبي.
وتم اعتماد 4000 مراقب محلي و92 مراقباً دولياً لتتبع سير ونزاهة الانتخابات.
وتعرضت مختلف الانتخابات التشريعية والمحلية منذ استقلال البلاد سنة 1956 لانتقادات وكلام عن حصول تزوير. ووعد وزير الداخلية التكنوقراطي محمد حصاد الذي اتهمه الإسلاميون مراراً بـ"محاربتهم"، بأن تكون هذه الانتخابات "حرة ونزيهة".
في 2011، بلغت نسبة التصويت من أصل 13,6 مليون ناخب مسجلين في اللوائح 45٪، فيما قاطع 55٪ العملية الانتخابية التي تشهد اليوم عودة السلفيين المغاربة للترشح والمشاركة القوية تحت لواء أحزاب متفرقة.
وتبنى المغرب منذ الاستقلال خيار التعددية الحزبية. ويشارك اليوم قرابة 30 حزباً في الانتخابات، لكن 8 منها فقط تملك القدرة على تكوين فريق برلماني وفق الشروط التي يحددها القانون.
وتصدر حزب الأصالة والمعاصرة نتائج الانتخابات المحلية التي جرت نهاية 2015.
وبالنسبة لمؤسسة كارنيغي، فإن التنافس الواضح بين الفريقين "سيعزز الصورة بطبيعية الأمور التي تلتقي مع الأهداف الطويلة المدى للنظام الملكي، وتسمح له بتقديم الاستقطاب الحالي وإدماج الإسلاميين في الحياة السياسية، كعلامة على العملية الديمقراطية الجارية منذ 2011".