في طريقه إلى الحياة يشن المواطن المغربي حرباً ضروساً لنيل مطالبه، وتفعيل البطاقة الذهبية التي تخول له التمتع بحقوقه عند كل فرصة تسنح له بذلك.
يعلي الشعارات وينظم المسيرات متجهاً صوب التنفيذ، صوب مغرب الحقوق والواجبات.. يستقل مقطورة المواطنة رفقة البقية ويقلع.. إلى أن ينادى عليه للاستفادة من حقه في التصويت، هنا فقط يحزم أمتعته ويعود أدراجه متخلياً عن البطاقة الذهبية التي جاهد عمراً لتفعيلها.. معلناً العزوف عن الاختيار.. مدعياً انعدام الثقة في السياسة ورجالاتها.
طبيعي جداً أن نجد المغاربة مضربين عن الاقتراع اليوم بعد كل ما أصابهم من خيبات أمل وصدمات سياسية، واقتصادية واجتماعية على مر الزمن.
كانوا يؤمنون بأن هذا الحق مفتاح تغيير بين أيديهم، وأن صوتهم هو العصا السحرية التي ستدفع بوطنهم إلى الأمام وترفعه إلى أعلى المراتب؛ ليصدموا بأبشع واقع: إنهم يرمون به في بئر الاضمحلال، والأبشع أن أصواتهم هي السبب.
طبيعي جداً أن يفكروا ألف مرة قبل الاختيار الآن، أو أن يقرروا التكفير عن ذنبهم تجاه وطنهم، وتخليص أنفسهم من عذاب وتأنيب الضمير؛ ليختاروا صيام الانتخابات قطعياً.
فعندما يكون جوع الكراسي والمناصب سيد الموقف يوثر المواطن الابتعاد قدر الإمكان حتى لا يشبع نهم فاقدي الوطنية على حساب الوطن وخيرات الوطن.
ليظل هذا أقل ما يمكن أن يقدمه الفرد لبلده كخدمة بسيطة، عظيمة الشأن.. وأنجع وسيلة لحمايته من الضرر، معتقداً أنه بعزوفه هذا قد ينقذ وطنه من نار هشيم تكاد تلتهم عشباً، زرع وسقي في أحلامه لسنوات وغدا مرتع أجداده وآبائه وبنيه.. فكيف به أن يصير جحوداً لأرض منحته الحياة.. ويقدمها قرباناً على طبق من ذهب؟
ففترة الانتخابات هي الفيصل بين الأمس والقادم التي يمكنها أن تأخذ المواطن إلى الجنة كما إلى النار.. وبما أن الفيصل يخفي معالم مسؤولي الغد يبقى تجاهله والمضي هو الحل.
هكذا يعبر معظم المغاربة عن شعورهم تجاه الانتخابات التشريعية التي سيشهدها المغرب يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ ليتساءل الجميع عن مدى صواب العازفين في قرارهم هذا.. هل تجاهل الانتخابات أو التظاهر بتجاهلها هو الحل الأفضل؟ ماذا وإن كانوا على وشك تسليم وطنهم إلى أيادٍ تفتقر إلى المصداقية بهروبهم المدبر؟ ثم ماذا وإن أضاعوا فرصة خدمة الوطن عن السواعد التي من شأنها تغييره إلى الأحسن وتجديد ثقتهم في أصواتهم قبل كل شيء.
أسئلة وأخرى تتزاحم بحثاً عن إجابات جلية، تلك التي لن يفرج عنها إلا بعد إفراغ صناديق الاقتراع في اليوم الموعود، اليوم الذي قد يقلب موازين المغاربة ويسجل تصالحهم مع حقهم في التصويت مجدداً، إن النتيجة أضحت مخالفة لتوقعاتهم المتشائمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.