لطالما كان التحرش من المواضيع الحساسة التي تكتمنا عليها، فلا تستطيع الفتاة أن تفصح عن هوية المتحرش خوفاً من نظرة المجتمع الذي يعتبرها المذنب الرئيسي.
لقد تفشت هذه الظاهرة لتصبح معضلة كبرى في مختلف المجتمعات، حتى تلك التي تدعي الالتزام وتحاول ما أمكن ضمان عدم الاختلاط بين الرجال والنساء أو الفتيان والفتيات في مختلف الأماكن والمرافق.
إلا أنه يجب الاعتراف أن التحرش بالنسبة للبعض بات إحدى العادات الطبيعية، حتى إنهم لا يعيرونها اهتماماً أو يعتبرونها صفة ذميمة تنافي الأخلاق ومجمل القيم والمبادئ، بل عكس ذلك فالبعض يجد فيها متعة وتفاخراً لا محدودين.
لكن السؤال الذي يُطرح بشدة: ما السبب وراء انتشار ظاهرة التحرش؟ أهو جمال المرأة الذي يعتبر الكشف عنه فتنة؟ أم هو تطاول الرجل الذي يوصف حقارة ويدل على قلة وعي منه؟! فقد تعددت الأسباب واختلفت الصور، كفتاة تتعرض للمضايقات وسط الشارع العام، وأخرى منذ خروجها من بيتها وهي ملاحقة تارة من هذا وتارة من ذاك.
حقاً، لقد خرج الأمر عن نطاقه المحدود فعلى ما يبدو بات من الضروري أن يكون لكل فتاة مرافق خاص لعلها تسلم من المعاكسات المستمرة التي لا تكاد تنتهي!
غالباً ما يحيل البعض سبب التحرش بالأنثى إلى كونها ترتدي لباساً غير محتشم، مخلاً بالحياء، لا يحتكم للشرع وما يتضمنه القرآن والسنة من شروط أخلاقية، لكن، هل هذا سبب كافٍ ووجيه لمعاكستها؟ وهل هذا دافع مباشر للتحرش بها؟
فما دمنا نقر أن لباسها يجب أن يخضع للشرع، فلمَ لا نجعل أولاً أخلاقنا تنهل وتتشبع بمبادئ العفة والفضيلة، فلا يتم التطاول على الفتاة بالمضايقات اللاأخلاقية، التي لا تمت لقيمنا بصلة، وعوض هذه التصرفات المشينة يمكن نصحها بطريقة حضارية فالدين النصيحة أو يمكنك غض البصر فلكل حريته الشخصية التي يضمنها القانون له.
إن كشف الأنثى عن جمالها يعتبر في مجتمعاتنا فتنة، ومبالغتها في طريقة لبسها يعتبر جرماً، لكن هل التحرش بها يعتبر عقاباً وتنبيها حسناً؟! لا أبداً، فمختلف الأسباب السالفة الذكر ليست بدافع للتحرش بها أو المساس بكرامتها حتى يشبع البعض مكبوتاتهم!
فما يثير الاستغراب ويؤجج في النفس مشاعر الذهول، كون المحجبات بل وحتى المنقبات لم يسلمن من المعاكسات اليومية فما بالك بالبقية!
المسألة لا تتعلق باللباس أو المظهر الخارجي، بل هي مرتبطة بوعي وفكر أخلاقي يقدر الأنثى ككيان مستقل وليس كجسد فقط.
ففي مقاربة بسيطة نستكشف الفرق الشاسع، إذ إن الغرب يحترم الأنثى رغم لباسها الذي يكاد يكون شفافاً، في حين نجد مصر كدولة عربية تحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث التحرش!
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجوب إعادة النظر في مختلف الأساليب المعتمدة، ولا سيما فيما يخص التربية، كما تبرز الفشل الذريع للمقررات التعليمية التي من أوجب واجباتها أن ترسخ في نفس الطالب قيم الإخاء والاحترام عوض قمعه وحشو دماغه بمعلومات سرعان ما يتناساها.. فالتربية أولاً ثم التعليم ثانياً.
وما يزيد الطين بلة هو سكوت وتكتم الكثير من الفتيات ضحايا التحرش عن هذا الواقع المزري، بل وامتناعهن عن إبلاغ السلطات خوفاً من وصمة العار ومن نظرة المجتمع الرجعي الذي يلقي الذنب على المظلوم لا الظالم!
للكل هذا، فإن مختلف الجهات والسلطات الأمنية بأغلب الدول اتخذت تدابير وإجراءات صارمة في حق المتحرشين، للحد من هذه الظاهرة التي باتت تفتك بمجتمعاتنا.
ففي المغرب مثلاً، يتوعد القانون كل متحرش بعقوبات سجنية تتراوح بين شهرين وعامين وكذا غرامة مالية تتراوح ما بين 1000 درهم و3000 درهم، كما أنه في مصر أطلقت الأمم المتحدة برنامج مدن آمنة الذي يهدف إلى خلق مناخ خالٍ من التحرش الجنسي.
تعددت القيود التي تكبل الأنثى، بل وتفاقمت الحواجز التي تحول بينها وبين تطلعاتها، ليضاف التحرش إلى قائمة العوائق، تحرش يتم على مرأى ومسمع، إذا لم نقُل مباركة المجتمع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.