نشير في بداية هذا المقال: باعتبار أن بعض القراء يكتفي بقراءة العنوان أو يمرر عينيه على الفقرة الأولى أو النص، ماسحاً إياه بنظرات سريعة، لتغنيه عن قراءة الأفكار وإطلاق العنان للأحكام الجاهزة والكاذبة. إلى أننا لا نستثني كل فرد له قيم وأخلاق نابعة من مرجعية دينية على الانخراط في الفعل السياسي، أو مثله من حاز شهادات أكاديمية عليا وله من المؤهلات ما ينتفع به في النشاط السياسي وله أيديولوجية إسلامية، كما لا يمكن البتة، فصل الجانب السياسي عن الديني للنبي صلى الله عليه وسلم باعتباره القائد والرسول، ولعل هذه المقدمة تهيئ القارئ لإكمال النص، والعدول عن أي حكم مسبق حتى آخر فكرة واردة، وله حينها واسع النظر في سلك أي اتجاه حسب ميوله.
إنما نود الإشارة إلى تلك الخطورة الجسيمة التي يمثلها الإسلامويون على الفعل السياسي من خلال موروثاتهم الدينية التي قد تستقي أفكارها وتصوراتها من الروافد الاجتماعية، وتبني أحلامها الوردية انطلاقاً من الوعظ الإرشادي الذي يدغدغ المشاعر، أو حتى من النص المقدس الذي تلوى أعناقه، وتكنس تشريعاته، فضلاً عن مقاصده ومراميه، لتوافق هوى في النفوس، وتتمثل خطورة هؤلاء في كونهم يأخذون الدين مطية لأهوائهم وطريقاً يلتمسون به الوصول إلى أطماعهم وتحقيق مراميهم الدنيئة، وأخطر من ذلك ادعاؤهم تمثيل الدين على الوجه الأكمل، تسوقهم في ذلك: مظاهر زائفة وأحلام واهية باسم الدين، وإن كانت هذه اليوتوبيات لا أساس لها من التاريخ، والواقع يفندها.
ومن بين ادعاءات أشباه هؤلاء وأمثالهم، الزائفة، نورد باختصار على وجه المثل لا الحصر:
– أن من أدبياتهم في الفعل السياسي، تمثيل الإلهي: فهم الخلفاء وهم المفوض لهم تحقيق الغايات الشرعية والدنيوية، إنهم بذلك مجسدون للفعل الإلهي من خلال حفظ الدين وسياسة الدنيا، ما دامت السلط في أيديهم.
وأنهم تبعاً لذلك: ينضوون تحت لواء الرحمن، ومن الواجب عليهم محاربة كل الفرقاء السياسيين باعتبارهم ممثلين للجبت والطاغوت والشيطان، حتى من خالف نهجهم ولو اتفقت أهدافهم.
– أن من أدبياتهم في الفعل السياسي، احتكار المقدس: فهم الأولى بالنطق بالآيات ولهم الحق الكامل في إعادة التعقيب على كل من خالفهم ولو في سياق توجهاتهم، وذلك من خلال الحق في إعادة التأويل حسب دعواهم، ولو بنسف ادعاء المخالف بنصوص أخرى.
وفي سياق ذلك، لهم الحق في تفسير النصوص الدينية والأحداث التاريخية، وتنزيلها وفق ما يتطابق واتجاهاتهم ومصالحهم، بدعوى الاجتهاد والتأويل في السياسة الشرعية.
– ومن أدبياتهم حصر كل المشكلات المعاصرة والراهنة، التي يتخبط فيها المجتمع، والتي تؤرق كبار الفلاسفة والمفكرين والساسة والاقتصاديين، في حلول واهية، لا أساس لها من الدين ولا من العقل ولا من الدنيا في الشيء، من قبيل الإكثار من الاستغفار أو صيام الأيام وقيام الأسحار.
إنهم يتخذون اللباس التقليدي والمسواك والسبحة والنعال الجلدية كدعاية أمام الجمهور لاستمالتهم، كدليل على تقواهم، باعتبارهم صورة طِبق الأصل لتلك النماذج التاريخية التي مثّلت أقصى درجات الورع والتفاني في خدمة الصالح العام.
– أن من أدبياتهم في الحملات الانتخابية قبل الفعل السياسي: تقديم ذواتهم باعتبارهم المخلّصين والعادلين والمتفانين في قضاء مصالح الناس ليلاً أو نهاراً، وأنهم القائمون بالقسطاس المستقيم، وأن نياتهم أصفى وأنقى من أمثالهم المرشحين والمنافسين السياسيين.
إنهم يعيدون تلك اللازمة التي تخْفِت وتتجلى حسب الظروف المحيطة بهم، والسياق الذي هم فيه، من قبيل: نحن أولى بالكراسي والتسيير، أما غيرنا فهو الخائن للأمة والأمانة.
– أن من أدبياتهم، الإيمان المطلق الذي لا مراء فيه، بأن الأخطاء التي يقترفها – سهواً – كل منافس لهم في الحياة السياسية، تعتبر نصراً من الله لهم، لا بل إن الكون كله يسبح تسبيحهم ويستغفر لمجتهدهم ويفرح لانتصاراتهم وفتوحاتهم.
إن كل صورة خادشة، أو فيديو يصور منافسيهم في حالة معينة أو تصريح معين، يعتبرونه نصراً مظفراً، من قبيل أن الله يحارب أعداءهم ومنافسيهم، وذلك بفضح أسرارهم ونشر نياتهم التي يخفونها عن الناس.
– إن من أدبياتهم في الخطاب السياسي: دخولهم في العملية السياسية من باب التدافع "استنادا للآية"، التي يسوغون بها انخراطهم ويصنفون بها الآخر في دائرة الباطل الذي وجب محاربته.
إنهم يشرّعون من خلال دعواهم، ظاهراً: بأنهم مستعففون عن الكراسي، فإن لم ينجحوا فقد أدوا ما عليهم، والمسؤولية على الشعب في الاختيار. وباطناً: يمنون النفس بالسلطة وبريقها، ولا يرعوون في لجم شهواتهم بعد ذلك، والتفكير في سيولة الأرصدة ولقاء فلان وتقريب النعال.
– أن من أدبياتهم في العمل السياسي: حيازة كل دعوى أو فعل أو عمل بأنه إصلاح، لا بل يتشدقون بتلك الإيمانيات الواهية التي يروجون لها أمام السواد، بأن في كل خطوة أو هاتف أو اجتماع، لهم ألف نية حسنة.
لا بل يحسبون أن كل ملف أو فكرة بسيطة يتخذونها، بأنها تخطيط استراتيجي وإصلاح عميق، ولا يستحون ولا يرعوون بصرف الميزانيات الضخمة على إصلاح الإصلاح، الذي في ظاهره استمرارية وفرصة لمواصلة الإصلاح، وفي باطنه فشل ذريع على بلوغ المرامي من خلال الإصلاح الأول.
إن الطقوس الانتخابية المسربلة بغطاء كهنوتي في شكلها الخارجي تدعي الإصلاح، وحقيقة أمرها وأهلها: مفسدون، ولكن لا يشعرون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.