من المعروف أن الطاعون هو من الأمراض المعدية القاتلة، وأنه واحد من الأمراض الوبائية الثلاثة، إلى جانب الكوليرا والحمى الصفراء، التي يجب إبلاغ منظمة الصحة العالمية، لشدة خطورتها وفتكها بالبشر.
وكذلك ظاهرة التكفير المتفلت التي تفتك بالأمة الإسلامية، دون أي رادع يردع التكفيريين عن النخر بجسد الأمة، بعد أن تسببوا بإضعاف عُرى الوحدة الإسلامية، وتمزيق المجتمعات الإسلامية، ونشر "طاعون التكفير" بين أبناء المسلمين.
لقد جاء الإسلام لهدف عظيم وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولكن مع الأسف نرى التكفيريين المتطفلين على تعاليم هذا الدين العظيم يعملون عكس ذلك، بدفعهم الناس إلى الظلمات.
كما أن الطاعون وباء فتَّاك خطير يهدد أي مجموعة بشرية يصيبها بالفناء، كذلك ظاهرة التكفير التي تهدد الأمن الاجتماعي للمسلمين، وتنشر فيما بينهم ثقافات مخالفة تماماً لثقافات الإسلام التي تدعو للبناء لا للهدم، وللسلام لا للحرب، ولحفظ الأرواح لا لقتلها ظلماً وعدواناً، وللوحدة لا للتفرقة، وللإنسانية لا لشيء غيرها.
شاء التكفيريون أم أبَوا، لقد اجتمعت كلمة الأمة كلها على هذه المعاني، فها هو الإمام أبو حنيفة يقول: "ولا نكفر مسلماً بذنب من الذنوب وإن كانت كبيرة إذا لم يستحلَّها"، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل الذي يقول بوضوح تام لا يحتاج لكثير شرح: "ولا نشهد على أهل القبلة بجنة ولا نار، نرجو للصالح ونخاف عليه، ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله تعالى".
وكذلك يقول: "ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله جاحداً بها، فإن تركها تكاسلاً أو تهاوناً كان في مشيئة الله، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له".
أي رقي هذا يفتقده التكفيريون، العالة على هذا الدين، الذين يسيرون بمنهج التكفير؛ إما عن جهل مطبق، وإما عن خطط خبيثة يرسمها أعداؤنا.
يقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما"، فهل يحمل التكفيريون وزر تكفيرهم للمسلمين يمنة ويسرة دون أي دليل شرعي واضح، فالمطلوب في هذا الشأن دليل شرعي واضح، لا دليل الهوى والنفس والمصالح السياسية والاقتصادية وغيرها.
يقول الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: "ما في القرآن آية أحب إليَّ من هذه الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ومن شرح الله صدره فالقليل يكفيه"، إذن بأي حق تنصبون أنفسكم أيها التكفيريون وتوزعون شهادات الإيمان والكفر على عباد الله؟! مَن الذي منحكم هذه السلطة، والله تعالى في كتابه يعد بأن يغفر ما دون الشرك به؟! وأنتم تكفرون المسلمين بسُنة أو نافلة؟!
إننا نعيش في زمن غريب أصبح التكفير فيه منتشراً بكثافة عند كثير من الجماعات التي تحمل عنوان الإسلام، ممزقين بذلك وحدة الأمة، إلى جانب تقديمهم خدمات مجانية لأعدائنا، جزء منها عن جهل بالإسلام وحقيقته وفقهه وتعاليمه، وجزء آخر عن عمالة خبيثة مع أعداء الإسلام.
من صور الجهل أن كل من حفظ بعض كلمات، أو سمعها من أحد "مشايخ" التكفير، أو قرأها هنا أو هناك، يبدأ بنشر وباء "طاعون التكفير" موزعاً شهادات الإيمان والكفر حسب أهوائه وحسب الجهل الذي تعلمه، فهذا عليه أن يحكم عقله ومنطقه فضلاً عن التوبة الصادقة لله تعالى.
ومن صور العمالة تلك التنظيمات التكفيرية التي تعاني منها الأمة الإسلامية منذ عقود، وآخرها تنظيم "داعش" الإرهابي ومن لفَّ لفه، الذي يرفع شعارات الإسلام بهدف تشويهها أمام الرأي العام العالمي، من خلال ممارساته الإجرامية من حرق وقتل وتدمير وتفجير، التي لا يقبلها الإسلام الذي جاء متناغماً بنسبة 100% مع مصالح البشرية.
مع الأسف، فإن معالجة مرض الطاعون أمر ممكن باستخدام المضادات الحيوية، في حالة الكشف المبكر عن المرض، ولكن معالجة العقل التكفيري، سواء كان عن جهل أو عمالة، أمر ليس بالسهل، حتى لو تم اكتشاف فيروس "طاعون التكفير" في مراحله الأولى!
وللحماية من مرض الطاعون، هناك إجراءات وقائية تتخذ تجاه المرض، وإجراءات وقائية تجاه المخالطين للمصابين، ولكن تجاه "طاعون التكفير" أي موقف الأمة الواحد الذي يجب عليه أن يبين الحق من الباطل، وأن يعمل على وحدتها لا تفرقتها؟!
الطاعون مرض وبائي يجب إبلاغ منظمة الصحة العالمية في حاب وجد أو انتشر في مكان ما، ولكن بحالة انتشار "طاعون التكفير" كما نعيش اليوم فمَن نبلغ ومَن يتحرك بصدق وأمانة وجدية؟!
أيها المسلمون، لا تشاركوا بنشر وباء "طاعون التكفير"، كونوا دعاة سلام ومحبة لا دعاة قتل وحرق وتدمير، كونوا محمديين على نهج ذاك النبي العظيم، الذي تتحرك الأفئدة فرحاً وطرباً ومحبة لمجرد ذكر اسمه وسيرته، ولا تكونوا مع الذين يشوهون سيرته وتعاليمه، أولئك الذين تنفر القلوب والأنفس من مجرد ذكر أسمائهم وأفعالهم الشنيعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.