لو كنت مغربياً داخل الوطن أو خارجه، وقرأت عن الأموال التي تنفق في المهرجانات الموسيقية، وأفلام الخلاعة، والأموال التي تعطى للمغنين، والأوسمة التي تُشترى بها الضمائر، والامتيازات التي تعطى لرجال الدين ولاعيبن كرة قدم على شكل تكريمات، بدهياً سيكون رأيك أن في هذا البلد وفرة وكل الحاجات الأساسية في متناول العموم، وأنهم ينعمون في رخاء تام وسعادة كاملة، والفقر غير موجود والبطالة كذلك.
وبعدها قرأت أخباراً تقول نساء يلدن في الشارع، وأن متوسط سن الزواج في ارتفاع والبطالة في زيادة مستمرة، وأن نسبة التضخم في ارتفاع هي الأخرى، وقرأت خبراً آخر يقول إنه هناك حوالي 15% من السكان يعيشون تحت ظروف الفقر، كما يعيش 60% من نسبة الفقراء بالعالم القروي، بدهي أنك ستقول ما هذا التناقض البشع؟! ما هذه اللوحة غير الجميلة؟! ما هذا النشاز؟! أين العدل؟! لماذا لم يتم إنفاق هذه الأموال في رفع مستوى المعيشة لشعب عوض تكبيله بالضرائب؟!
الجواب عند إبراهام ماسلو، عالم النفس الأميركي، يخبرنا لماذا الفقر والحاجة ضرورة للدولة العلمانية، وكيف أنهما إحدى أدوات القمع في يدها، في سنة 1943 وضع نظريته في هرم لاحتياجات الإنسانية، المكونة من خمس درجات، تتلخص هذه النظرية في الخطوات التالية.
الحاجات الفسيولوجية وهي قاعدة الهرم، وتمثل الحاجات الأساسية منها الطعام والماء والمسكن والجنس، وبعد إشباعها تأتي المرحلة ثانية، الحاجة إلى الأمن المادي والنفسي، ثالثاً الحاجات الاجتماعية.
وفي هذه المرحلة من الهرم يظل الغالبية من أصحابها معجبين بالسلطة يحبونها وتحبهم، يرونها هي من تطعمهم، تظل لهؤلاء عقلية الاتباع، إنهم ببساطة يحبون أن يظلوا أتباعاً ويستمتعون بهذا، فهم يحبون السلطة والثناء من رؤسائهم، وأن يكونوا موضع حب وعطف منهم، ويرون بأن السلطة هي السبب في كل السعادة التي حصلوا عليها، ويرونها أماً ترعاهم كباراً كما رعتهم صغاراً، ويرون لها الطاعة كما يراها الخادم لسيده مهما فعل، وطبيعي أن تحب هي الأخرى أن يظل الوضع هكذا، فهو مريح لها ولهذا تتركهم في صراع مع الخبز والجنس.
في هذه المرحلة إذا دعتهم السلطات إلى الانتخابات التي ستعقد في المغرب يوم7أكتوبر ينزلون لمجرد أن السلطة هي من دعتهم، فهم يحبون تلبية الأوامر دون أن تكون لهم أي خلفية عن الانتخابات، ودون أن يقتنعوا بأي حزب أو أي مرشح.. المهم هو الطاعة!
ولكن تجد السلطات المتاعب عندما يتم إشباع الحاجات الهرمية الرابعة والخامسة، وهذه الحاجات هي الحاجة إلى تقدير وحاجة الفرد لتنمية واحترام الذات، والحصول على قبول الآخرين له والرغبة في تحقيق النجاح، والحصول على مكانة مرموقة، وخامساً الحاجة إلى تأكيد الذات.
هنا تظهر مشكلة السلطات فالأغلبية التي كانت من الأتباع بزغ منها الهراطقة. فالفرد الذي كان من الأتباع في المرحلة الأولى من الهرم، لم يعد كذلك بل عاد هرطقياً، يرى نفسه هو من يطعم السلطة، يتطلع إلى أشياء جديدة، في ثورة مستمرة ضد شيء ما وغالباً هذا الشيء هو السلطة، لم يعد يتحدث عن الخبز، فهو يتحدث عن الحرية، لم يعد يمجد السلطات بل عاد يمجد نفسه، لم يعد من الأتباع، عاد هرطقياً ملعوناً من الأشقياء، لم يعد يمجد الأشخاص بل عاد يمجد الحرية، لم يعد يمجد الأوثان بل يمجد الله لا، بل يسمي نفسه ثائراً لوجه الله أو متمرداً لله، ببساطة لم يعد من القطيع عاد هرطقياً.
وإن دعته للمشاركة في الانتخابات يوم 7 أكتوبر لا يلبي، لا ويقاطع ويشكك في جدواها، ولا يقتصر في معارضته على المعارضة السلبية فقط، بل يدعو للمقاطعة وينصح أصحابه وأهله وكل من يهمه أمره بالمقاطعة، بل ويراها واجباً شرعياً ووطنياً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.