جماعة الإخوان المسلمين في الأردن جماعة أصيلة تأسست قبل استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، وكانت على الدوام سنداً وعوناً للدولة الأردنية، ولا ينكر فضلها في العمل الاجتماعي والإصلاحي والدعوة إلى الفضيلة إلا جاحد أو حاقد، فإخوان الأردن صمام أمان، وأهل فضل وصلاح، وليس خفياً رصيدهم الكبير بين الناس وقدرتهم الكبيرة على الحشد وتسيير أعداد كبيرة من المواطنين على امتداد ربوع الأردن من شماله إلى جنوبه، وهذا ما تفتقده الكثير من الحركات والأحزاب والجماعات السياسية والاجتماعية في الأردن.
كثيرة هي الأحداث التي عايشتها الدولة الأردنية العريقة وكانت الانتخابات النيابية أبرزها، فحتى يومنا هذا 17 مجلساً نيابياً تم انتخابها، والآن تمت الدعوة لانتخابات المجلس رقم 18، ما يميز تلك المجالس السابقة حتى عام 1993 قوتها في الرقابة والتشريع وتمثيل المواطن الأردني حقيقة تطبيقاً للمادة الأولى من الدستور "نظام الحكم نيابي ملكي وراثي"، والمادة 24 من الدستور "الأمة مصدر السلطات".
إلا أن تغير قانون الانتخابات إلى الصوت الواحد المجزوء لإقرار معاهدة السلام الأردنية/الإسرائيلية "وادي عربة" عام 1994، والتي بالفعل صوّت البرلمان لصالحها -على الرغم من امتناع نواب الإخوان من التصويت- مرت وبمشاركتهم في المجلس، أفضى إلى مجالس نيابية ضعيفة وتابعة للسلطة التنفيذية إلى حد كبير، خلافاً لدورها الدستوري المنوط بها.
كل ذلك لم يمنع إخوان الأردن من المشاركة في الانتخابات النيابية بل شاركوا في عدة مجالس، أحياناً نجحوا في الترشح بأعداد مقبولة، وأحياناً فشلوا إلى حد ما وربما كان ذلك الفشل بسبب نزاهة العملية الانتخابية؛ حيث صرح مدير مخابرات سابق بالتدخل والتلاعب في نتائج الانتخابات، ولم تنفِ ذلك حكومات سابقة.
وأنقل هنا عن نقيب المحامين الأسبق أ. صالح العرموطي، مرشح حالي عن تحالف الإخوان، قوله: "بلغني أن اجتماعاً تم بين مدير مخابرات سابق ود. عبداللطيف عربيات، رئيس مجلس نواب سابق وقيادي إخواني، حيث وجه مدير المخابرات حديثه لعربيات: سمعت أنكم تنوون مقاطعة الانتخابات لماذا؟ عربيات: لدينا شكوك في التلاعب بنتائج الانتخابات، مدير المخابرات: لا شاركوا وستحصلون على 15 مقعداً نيابياً".
قاطع الإخوان الانتخابات أحياناً كخيار سياسي للاحتجاج، وكانت آخر مقاطعة لهم في المجلس النيابي الأخير، أي رقم 17، وأنقل هنا حديثاً لنائب مراقب عام إخوان الأردن سابقاً أ. زكي بني أرشيد، رئيس الهيئة العليا للانتخابات في حزب جبهة العمل الإسلامي ورئيس اللجنة المركزية للتحالف الوطني للإصلاح حالياً، قوله: "لن يحشرونا في انتخابات هزيلة، لا تعبر عن إرادة الشعب، الشارع هو أفضل برلمان للشعب الأردني، التغيير قبل المشاركة"، مسيرة إنقاذ الوطن 5/10/2012.
هذا الموقف الراديكالي من إخوان الأردن جرت محاولات كثيرة من مختلف الأطراف (نخب، سياسيون، مقربون من الدولة) لثنيهم عنه ولدفعهم للمشاركة، إلا أن الإخوان اشترطوا بنوداً حتى يشاركوا، سمّوها "شروط الإصلاح السبعة"، وكان على رأسها تعديل قانون الانتخابات حتى ينال بالحد الأدنى من التوافق المجتمعي، إضافة إلى تعديل بعض مواد الدستور، خصوصاً تلك المتعلقة بصلاحيات جلالة الملك، وكانت الردود غالباً، شاركوا في الانتخابات، واحصلوا على أغلبيه، ثم عدلوا الدستور والقوانين كما شئتم، لكن من خلال مجلس النواب وبالطرق الديمقراطية، وليس من خلال الشارع.
تعرض إخوان الأردن لهزات كبيرة وقاصمة بعد الانقلاب العسكري الذي جرى في مصر، تمثلت في انشقاقات كبيرة، حيث خرج مراقب عام إخوان الأردن الأسبق المحامي عبد المجيد ذنيبات وقيادات إخوانية بارزة، أمثال أ. أرحيل الغرايبة، أ. نبيل الكوفحي وآخرين من رحم الجماعة، وأسسوا كيانات سياسية موازية للجماعة كمبادرة زمزم وجمعية جماعة الإخوان المسلمين، أيضاً ضيقت عليهم الدولة، ومنحت الترخيص لآخرين بنفس الاسم، بالإضافة إلى إغلاق مقراتهم.
نحن اليوم أمام انتخابات لمجلس نيابي جديد رقم 18، صحيح أن قانون الانتخابات غادر الصوت الواحد المجزوء إلى القوائم النسبية على مستوى المحافظاتإلا أنه تعرض لانتقادات كبيرة، ولم يحظَ بالتوافق المجتمعي، ومع ذلك فقد أعلن إخوان الأردن، عن طريق ذراعهم السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، المشاركة في الانتخابات ضمن تحالف سموه "التحالف الوطني للإصلاح"، الذي يضم إضافة للإخوان شخصيات وطنية وعشائرية، لكن يغلب عليه الطابع الإخواني.
إن تراجع إخوان الأردن عن المقاطعة وعودتهم القوية للمشاركة وبعشرين قائمة وما يزيد على 100 مرشح ومرشحة، يطرح أسئلة موضوعية منها، هل يستطيع إخوان الأردن ومن خلال هذه المشاركة وقف التصاعد الكبير في المديونية العامة للدولة، التي وصل إجمالي الدين العام فيها إلى ما يناهز حاجز 35 مليار دولار؟ هل يستطيعون تعديل قانون الانتخابات حتى يحظى بالحد الأدنى من التوافق المجتمعي؟ وقبل ذلك كله ما الذي دفعهم للمشاركة أولاً؟ هل حشروا فعلاً؟أم هي مراجعة داخلية أفضت إلى عبثية المقاطعة وضرورة المشاركة لدعم مسيرة الإصلاح وهم الذين شاركوا سابقاً! ننتظر ونرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.