في مؤشر خطير للأزمة المالية باليمن، لجأ البنك المركزي مؤخراً إلى "النقود التالفة" لدفع رواتب الموظفين، لتعود هذه الأموال إلى التداول في السوق، بعد سحبها على فترات خلال الشهور الماضية، لعدم صلاحيتها.
واعتبر خبراء مصرفيون أن إعادة إصدار نقود غير قانونية وجاهزة للإتلاف يؤكد أن خزينة الدولة أصبحت فارغة، بعد حوالي عام ونصف من الحرب الطاحنة في البلاد.
ومنذ الربع الأخير لعام 2014، يشهد اليمن حربًا بين القوات الموالية للرئيس، عبدربه منصور هادي من جهة، والقوات الموالية للحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة أخرى، مخلفة آلاف القتلى والجرحى، فضلًا عن أوضاع إنسانية وصحية واقتصادية صعبة.
أزمة حادة
ويعاني القطاع المصرفي اليمني أزمة حادة في السيولة النقدية من العملة المحلية، منذ يونيو/حزيران الماضي، أدت إلى عجز البنك المركزي اليمني عن تأمين رواتب موظفي الدولة للشهر الثاني على التوالي، كما فاقمت المعاناة المعيشية للناس.
وقال تقرير حديث لوزارة التخطيط اليمنية صدر نهاية أغسطس/آب، إن نقص السيولة النقدية في التداول السوقي اليومي، يرجع إلى ضعف ثقة الأفراد والتجار بالقطاع المصرفي اليمني، ما أدى الى امتناع المصارف عن تسديد استحقاقات المودعين لديها، وخلق شللاً في الحياة الاقتصادية للبلاد.
وتأثر القطاع النقدي في اليمن بشكل كبير بعدم الاستقرار الناتج عن الحرب، وانكمشت موازنة النظام المصرفي، نظراً لسحب الودائع على نحو كبير سواء الودائع بالعملة المحلية أو بالأجنبية.
واعتاد الموظفون على تقاضي رواتبهم الحكومية من فئة 1000 ريال يمني (4 دولارات)، لكن في الأشهر القليلة الماضية، كان البنك المركزي يصرف الرواتب بـ"نقود تالفة" من فئتي 100 ريال و250 ريالاً.
مضطرون
وقال نجيب الشرعبي، ويعمل موظفاً حكومياً: "النقود التالفة خلقت لنا أزمة كبيرة، فالتجار يرفضون التعامل بها، والجهات القومية تقول إنها لا تستطيع توفير غيرها فنضطر إلى قبولها".
وأضاف: "كنا نتسلم الرواتب بحدود 80 ورقة من فئة 1000 ريال، والآن نتسلم 8 رُزم من فئة 100 ريال وأغلبها تالفة غير صالحة للتداول، لم نشهد مثل هذا الانهيار".
ويواجه اليمنيون صعوبة في تصريف الأوراق النقدية التالفة والممزقة، التي أصبحت مصدر إزعاج مستمر في التعاملات وأنتجت مشاكل بين المتعاملين بها والتجار في أسواق التجزئة.
وترفض محال بيع السلع الغذائية ووسائل النقل وشركات الصرافة والتحويلات، التعامل بالنقود التالفة التي أصدرها البنك المركزي.
مبررات وحلول
وقال مصرفيون إن عدم قبول تلك العملات التالفة يرجع لكونها ممزقة وغير قابلة للعد بآلات عدّ النقود الإلكترونية، وتستدعي زيادة عدد الموظفين من أجل عدّها يدوياً، وهذا غير ممكن في ظل الظروف الحالية.
وتعرض الاقتصاد اليمني لعدد من الهزات منذ اندلاع الحرب في 26 مارس/آذار 2015، أبرزها تهاوي قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية واستنزاف الاحتياطي المالي الأجنبي.
واعتبر الخبير المصرفي اليمني طارق عبدالرشيد أنه في ظل صعوبة طباعة أوراق نقدية جديدة فإن أحد الحلول العاجلة يتمثل في خفض قيمة العملة المحلية مجدداً.
وقال عبدالرشيد: "ليس أمام السياسة النقدية غير مدخل تخفيض السعر الرسمي للريال اليمني، إلى مستوى سعره في السوق الموازية وهو 300 ريال للدولار الواحد"، مقارنة مع 251 ريالاً في السوق الرسمية.
واعتبر أن مثل هذا القرار يأتي ضمن السياسة النقدية، ويهدف إلى ردم الفجوة القائمة بين سعري الصرف الرسمي وفي السوق الموازية (السوداء).
شر لابد منه
ويتراوح سعر الريال اليمني في السوق الموازية بين 300 و320 ريالاً للدولار الواحد، ولا يتم التعامل بسعر البنك المركزي ويتحكم المضاربون في سعر الصرف داخل السوق المحلية.
وقرر البنك المركزي اليمني في 21 مارس/آذار الماضي، خفض سعر العملة المحلية إلى 250 ريالاً من 215 ريالاً للدولار الواحد.
وعلى الرغم من مساوئ تخفيض السعر الرسمي للريال بموازاة السوق السوداء، إلا أن عبد الرشيد يرى أنه يمثل "الخطوة الأولى في طريق إعادة إنعاش البنوك – المعطلة حالياً – كي تقوم بدورها المأمول ولو بأدنى مستوياته".
ويرى أن مواجهة الضائقة المالية الحالية تتطلب أولاً بدء عملية إنعاش الاقتصاد المحلي من خلال إعادة تأهيل القطاع المصرفي اليمني بغرض استعادة ثقة المتعاملين، خصوصاً التجار وعودة تعاملاتهم النقدية مع المصارف.
ومن شأن خفض سعر العملة المحلية أن يصعد بأسعار المستهلك (التضخم) إلى مستويات مرتفعة، تزامناً مع معاناة السكان من تراجع في توفر فرص العمل وارتفاع نسب والفقر وعدم قدرة العاملين على تقاضي رواتبهم بانتظام.
وتتهم الحكومة الشرعية الحوثيين، الذين يسيطرون على البنك المركزي في صنعاء، باستنزاف الاحتياطي الأجنبي لليمن، الذي تراجع من 4 مليارات دولار قبل الحرب إلى مليار و100 مليون في مايو/أيار الماضي.
وأعلن رئيس الحكومة اليمنية، مطلع أغسطس/آب الماضي، وقف التعامل مع البنك المركزي، بعد فترة وجيزة من قرار يتضمن الاحتفاظ بإيرادات المحافظات "المحررة" الخاضعة لسيطرة الحكومة، ووقف توريدها للبنك المركزي الخاضع للحوثيين.
ويعاني اليمن، وهو منتج صغير للنفط، من ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط والإيرادات الجمركية، وتفاقم استنزاف الحوثيين لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد.