لن ننكر الحقيقة، إذ لن نقول "إسرائيل المزعومة"، كما كان عليه الحال في الخطاب العربي منذ عام 1948 حتى عام 1967م، ولكننا في المقابل لن نهرب من استحقاق المواجهة، بمحاولة القبول بالأمر الواقع، كما هو منهج دعاة "الواقعية".
هذه "الواقعية" التي جعلت من عدو الأمس صديق اليوم، عند كثير من أولئك، ظناً منهم أن الكيان الصهيوني قدر محتوم في جسد أمتنا، وإذا كنا نريد أن نحيا بأمان فلا بد من مداهنته، ذلك أنه قوي لا يغلب، ذكي لا يخدع، لا يفوته شيء، ولا يعجزه المستحيل، وإذا أراد أمراً أنفذه.
هذه المواصفات الخارقة، التي حظيت بها الصهيونية، جعلت منها عدواً لا يقهر، وبطلاً ينبغي أن نتصالح معه، طوعاً أو كرها، فهي الأقدر على أن تحافظ على الأنظمة والعروش، لا سيما في واقع مضطرب تعيشه الدول العربية؛ لذلك لا ريب في أن تذهب بعض الأنظمة العربية طائعة للصهيونية.
ومن هذا الباب أيضاً، فلا عتاب على بعض المثقفين وأهل الفن، فالتطبيع مع "إسرائيل" تحضر وعصرية، إنه مفتاح النجاح والانفتاح على العالم، ألا تعلم أيها المسكين أن الكيان الصهيوني يسيطر على المال والإعلام.
أما السادة العلماء الأجلاء فحينما يذهبون إلى الدولة الشقيقة "إسرائيل"، فذلك عين التسامح، وهو من صميم هذا الدين، إنها سماحة الإسلام أيها الحمقى المتنطعون، أما قرأتم عن الإسلام، أما تعرفون أخلاق نبيكم؟!، يا من ترفضون التصالح والتسامح مع الجار ذي القربى "إسرائيل".
أيها السادة -سياسيين وفنانين ومثقفين وعلماء- الواقعية التي تؤمنون بها ليست في محلها، هل تريدون منا أن نفهم أن صديقكم هذا، شديد على المتنطعين الإرهابيين، لا تأخذه بهم رأفة ولا رحمة، يلاحقهم فينتصر عليهم في كل جولة، ويقضي عليهم في جحورهم، بينما تجده رحيماً ودوداً مع المنفتحين، يسمح لهم بزيارة القدس والمسجد الأقصى، ويشاركهم المهرجانات الثقافية، ويعمل معهم ومن أجلهم للقضاء على الإرهاب، بل إن رحمته هذه تسع العالم بأسره، فهو يعمل من أجل راحة الإنسانية، وانتشار السلام في العالم.
كثيرون في أمتنا العربية والإسلامية، وأنا واحد منهم، نرفض أن نذكر "إسرائيل" مجردة دون أن نضيف إليها طبيعتها العدوانية، المتمثلة في الاحتلال، إن هذا الضمير الحي يعتبر ذلك (ذكر هذه الكلمة مجردة) خيانة لفلسطين، فكيف يريد البعض للضمير العربي والإسلامي أن يقبل بوجود سرطان خبيث في جسد الأمة؟، وكيف يريدون أن نسهم معهم في إعادة صياغة العقل الجمعي العربي ليسلم بالأمر الواقع؟، كيف يمكن أن نترك التاريخ والحضارة والتراث وراء ظهورنا؟، ومن أجل مَن؟، من أجل الشعب المختار!
ليس من الحكمة ألا يقر المريض بمرضه، فلا شك أنه سيكون فريسة سهلة للمرض، الذي سيفتك به، فلن تبدأ أولى خطوات العلاج قبل أن تعرف المرض، وتحدد مواطن ضعفك وقوتك، نحن نقر بوجود الاستعمار الاحتلالي على أرضنا، لكننا لا نقر له بشرعية سرقة الأرض والتاريخ، والكلام للمفكر عبد الوهاب المسيري.
هذا هو الفرق، لسنا منفصمين عن واقعنا، نحن ببساطة لا نعظم من قوة الكيان الصهيوني، ولا نهون من شأنه أيضاً، لن نوافقكم الرأي بأن البقاء للأقوى، فيستطيع أن يفرض أجندته على الآخرين، والمقصود هنا الكيان الصهيوني، ألم يهزم الأقوى هذا في حرب أكتوبر/تشرين الأول؟، ألم يفشل في قمع الانتفاضتين الأولى والثانية؟، ألم تتراجع آلياته دون أن تحقق أهداف القيادة السياسية والعسكرية في ثلاث حروب طاحنة على غزة؟
أما إذا كنتم أيها "الواقعيون" تقصدون أنكم ضد معاداة اليهود؟، فنحن معكم، إذ ليس من المقبول دينياً معاداة اليهود، أما سياسياً فإن ذلك العداء يصب في صالح الصهيونية بغير وعي، ولسنا هنا في معرض سوق الأدلة الدينية، وسرد الأحداث التاريخية، التي تظهر سماحة الإسلام مع اليهود وغيرهم.
لن نعادي اليهود، فمرحباً بهم خارج فلسطين، أما داخل فلسطين، فنعتذر لكم يا أهل السياسية والدين والثقافة والفن، ليس بيننا وبينهم إلا الجهاد، فلن نصدقكم، ونكذب التاريخ، لن نصدق أنهم يعلمون ماذا يريدون، ويفعلون ما يقولون، ولا يهزمون ولا يذلون، لن نصدقكم ونكذب القرآن والتاريخ.
نعم.. سنفقد الكثير، ولا أقول "نخسر"، لكن إن سرنا في ركبهم فسنخسر أنفسنا، وشتان بين من يفقد النفس والمال والبيت، لكنه بقي متصالحاً مع نفسه، وبين من ملك الدنيا، لكنه خسر نفسه وأمته، ومن قبل ذلك دينه ومقدساته.
وتحية لروح المقاومة التي تسري في أمتنا العربية والإسلامية.. وسيبقى صوتها مجلجلاً.. فلسطين هي فلسطين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.