يعيش الشرق الأوسط أحداثاً متسارعة تعيد إلى أذهان شبح "الفوضى الخلاقة" الذي بشرت به كوندوليزا رايس في حديثها لـ"واشنطن بوست" عام 2005، أو ما بات يعرف بالشرق الأوسط الجديد، أي مزيداً من التقسيم والتشرذم للدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وإدخالها حالة من الفوضى واللاستقرار.
وبإلقاء نظرة سريعة على الأوضاع بالشرق الأوسط يتبن أن اليمن يعيش اليوم شبح التقسيم بعد تعليق مشاورات السلام، أو بالأحرى فشل المفاوضات وتصلب كل طرف بموقفه بعد محادثات الكويت التي انهارت لأنها كانت محادثات غير متكافئة بين طرف يملك الأرض، وآخر يملك "شرعية" ورقية.
مؤشرات الانقسام باتت واضحة لفصل الشمال عن الجنوب، وظهر ذلك من خلال تحركات الحوثيين وإعلانهم تشكيل مجلس حكم، المجلس السياسي الأعلى لإدارة البلاد، ما يدفع في اتجاه تكريس اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، أي إقامة دولتين على غرار المشهد السوداني والعودة لما قبل 22 مايو/أيار 1990 تاريخ الإعلان عن ميلاد الوحدة الاندماجية بين الشمال والجنوب. هذا بالإضافة إلى محاولة إذكاء الصراع الطائفي القبلي، ما سيخرج اليمن من دائرة الدولة إلى دوائر قبلية وحزبية وطائفية، وإثنية متناطحة ومتناحرة يسهل معها مخطط التقسيم.
وليبيا بمجرد إسقاط النظام حدث انهيار كامل لكل مؤسسات الدولة التي تصدعت، ظهر نوع من الاستقرار الهش المطبوع بصراعات بين عدة أطراف سياسية، كان لها دور فاعل في سقوط النظام السابق، فبالرغم من إنشاء المجلس الوطني الانتقالي الذي أسسته المعارضة الليبية في ظل الأزمة كحكومة انتقالية مؤقتة – والذي أعلن عن طريقة صياغة الدستور الجديد، بينما يقوم مجلس الوزراء المستحدث من قبل هذا المجلس بتصريف الأعمال اليومية – لم يتمكن من جمع الشعب الليبي تحت راية سلطة مركزية واحدة في المستقبل، بحيث أن هذا المجلس فشل في تحقيق تماسك وتلاحم مختلف القبائل والعشائر الليبية والتيارات الدينية الأمر الذي أعاق مسيرة المشروع الجديد.
فالمشهد السياسي الليبي أصبح فوضوياً وخالياً من أي أفق لتسوية النزاع وإخراج ليبيا من حالة الفوضى والتطاحن والتناحر بين الفصائل، ويعمق الصراع على حقول النفط في ليبيا الانقسامات السياسية التي تطال مختلف فرقاء الأزمة الليبية.
وسوريا تبدو كأنها في بداية الحرب، النظام عازم على هزيمة المعارضة، بأشكالها كافة، والمعارضة مصممة على إسقاط النظام. لا هذا يتحقق ولا تلك قابلة للتنفيذ والأسباب عديدة. حلفاء الطرفين لم يصلا بعد إلى صيغة توافقية، ولا انتزعوا تنازلات من النظام أو من المعارضة.
سوريا باتت مهددة بدورها بشبح الانقسام في ظل الحديث عن الفيدرالية أي التقسيم الناعم أما عن العراق فالأمور تبدو غامضة والمشهد ضبابي.
في ظل المرحلة الصعبة والعسيرة التي تمر منا الأمة العربية بات الرهان على تقوية الصف الداخلي من خلال بناء جبهة ديمقراطية قوية ومد اليد لكل الديمقراطيين لمواجهة الموجهات الارتدادية التحكمية داخل البلدان العربية حتمي وضروري لمواجهة كل مخططات التقسيم والتجزئة.
ولتعش الأمة العربية موحدة من المحيط إلى خليج.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.