عسكر مصر والمتاجرة بأحلام الأطفال

إننا أمام عملية نصب بكل المقاييس يمارسها جنرالات السبوبة، وفساد لم يسبق له مثيل، فبدلاً من قيامهم بتطوير البنية الأساسية للجيش المصري، وتدريب الجنود وضباط الصف على عمليات القتال، ومواجهة العدو، تحولوا بقدرة قادر إلى عُمّال في مصانع للكعك، والزيت، والسكر، والخبز، وصناعة الحلوى، وأخيراً الألبان! لك الله يا مصر.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/11 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/11 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش

فجّرت أزمة اختفاء لبن الأطفال في مصر الكثير من خفايا إدارة البلاد باصطناع الأزمات الطاحنة، ثم إظهار القوات المسلحة على أنها تقدم الحل السحري لتلك الأزمات، حدث ذلك بعد أن تدخلت القوات المسلحة في ميادين كثيرة، تخص القطاع المدني في الدولة، حتى أنهم دخلوا في إعلانات الشوارع، بعد أن سيطروا على توريد الوجبات المدرسية لوزارة التربية والتعليم.

وأخيراً بعد فضائح وزير التموين، خالد حنفي، الذي كان يسير في فلك السيسي، تمّ تعيين وزير عسكري بديلاً عنه، اللواء أركان حرب محمد علي الشيخ، الذي كان يشغل رئيس هيئة الإمداد والتموين الأسبق في القوات المسلحة، بالإضافة إلى جهاز الخدمات العامة عقب ذلك، ثم خروجه إلى المعاش والتقاعد من الخدمة قبل نحو عام ونصف.

ومن ثمَّ نجد أن العسكر إذن يخططون للبقاء طويلاً في الحكم، وليس كما يحاولون الإيحاء أحياناً بأنهم سيطيحون بالسيسي ويجرون انتخابات حقيقية، وما إلى هذا الكلام الذي تثبت الأحداث أنه غير حقيقي.

ويحاول العسكر من جانب آخر الإيحاء بأنهم ينقذون الغريق، بعد أن يعدم كل الوسائل المتاحة، فهم يعلمون أن الغريق الذي يحتاج لمنقذ لن يفكر فيمن أنقذه لماذا يفعل ذلك، ويتسبب في أزمة ثم يحلها، ويعلمون منطق تفكير المصريين أنهم يأخذون القطعة الأخيرة من طرف الخيط التي لا يهمهم سواها، وهي أن المشكلة تمّ حلها وشكراً لمن فعل ذلك!!

ونلاحظ أنه عقب الإعلان عن وجود أزمة نقص الألبان المُدعّمة للأطفال، وبعد تظاهر المئات من الأهالي أمام "معهد ناصر" وقطعهم الطريق احتجاجاً على قرار نقل بيع العبوات من المقر الرئيسي لـ"المصرية للأدوية" إلى "منافذ الأمومة والطفولة"، فوجئ المواطنون بتداول أنباء على كل المواقع الإخبارية بأن الجيش ينقذ أطفال مصر ويضخّ 30 مليون علبة لبن أطفال بسعر 30 جنيهاً، مع العلم أن سعر العلبة قبل هذه الأزمة المصطنعة كان 12 جنيهاً فقط. وبعض المعلومات التي ترددها مصادر صحفية بصحف الانقلاب ذاتها تقول إن إحدى شركات الأدوية (فارما) هي التي تتعامل في ملف علب لبن الأطفال، وقد مارست تعطيش السوق بخطة شاركت فيها سلطة العسكر لتحقيق مكسب كبير، وفي نفس الوقت إظهار العسكر على أنهم جهة الإنقاذ الوحيدة في البلاد، حتى لو كان لبن العصفور أو لبن الأطفال!

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما علاقة الجيش بمثل هذه الموضوعات؟ ولماذا لا تقوم الحكومة والوزير المختص بمعالجة تلك المشكلات؟ هل دور القوات المسلحة ترك مهامها الأساسية في حماية الدولة من أعدائها، والحفاظ عليها من أي اعتداء خارجي، والاتجاه إلى أعمال مدنية تؤدي إلى خلل شديد في مسار الاستثمار العام الذي تسهم فيه الشركات المختلفة، سواء كانت قطاعاً عاماً، أو قطاعاً خاصاً؟!

إنهم يتلاعبون بقوت الشعب، ويدمّرون مؤسساته، مهما كانت النتائج، ولعلنا جميعاً شاهدنا المرأة التي بكت بحرقة أمام إحدى التجمّعات التي توزّع الألبان، للحصول على علبة لرضيعها.

إنهم يكذبون كما يتنفسون، ويسرقون قوت الشعب من أجل تضخيم ثروات الجنرالات، ويدّعون بعد ذلك أنهم يحنون على الشعب، ويحلون مشكلاته، والعجيب أنك تجد من يصدِّقهم ويؤيدهم في غيّهم وكذبهم، والغريب أن يصدر بيان من القوات المسلحة المصرية تشير فيه إلى أنها لاحظت قيام الشركات المختصة باستيراد عبوات لبن الأطفال باحتكار العبوات للمغالاة في سعرها، ما تسبب في زيادة المعاناة على المواطن البسيط، وهذا ما دفعها إلى التنسيق مع وزارة الصحة، بالتعاقد على نفس عبوات الألبان، ليصل سعر العبوة للمواطن المصري إلى (30) جنيهاً بدلاً من (60) جنيهاً!!

كافة هذه التصريحات وغيرها تشير إلى أن هناك لُغزاً وراء أزمة نقص الألبان المدعّمة للأطفال، وأن هناك أيادي خفية تعبث من وراء الستار، لإظهار المنقذ الوحيد الذي يأخذ بيد الكبير والصغير حتى الأطفال!

ومن العجب العُجاب، وعلى الرغم من معاناة الشعب، نرى بعض المتسلقين في دولة العسكر يقولون كلاماً عجيباً، كان آخرها قول لميس جابر خلال استضافتها في برنامج "على مسؤوليتي": "الحكومة لازم تشيل الدعم، وإحنا في حالة حرب، وضرب السياحة مُدبّر"!!

إننا أمام عملية نصب بكل المقاييس يمارسها جنرالات السبوبة، وفساد لم يسبق له مثيل، فبدلاً من قيامهم بتطوير البنية الأساسية للجيش المصري، وتدريب الجنود وضباط الصف على عمليات القتال، ومواجهة العدو، تحولوا بقدرة قادر إلى عُمّال في مصانع للكعك، والزيت، والسكر، والخبز، وصناعة الحلوى، وأخيراً الألبان! لك الله يا مصر.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد