سيصبح الرئيس المصري مكروهاً إذا اتبع توصيات صندوق النقد الدولي الاقتصادية، ومحتوماً بالهلاك إن لم يفعل.
نادراً ما تكون الذاكرة ضبابية فيما يتعلق بالأحداث المهمة، لهذا تبقى انتفاضة الخبز في يناير 1977 علامة مهمة في الذاكرة.
بالنسبة لطفل في العاشرة من عمره، كان يوجد خطر مجهول يمثله الدخان في سماء القاهرة بعد الاشتباكات العنيفة. في أعين هذا الطفل كانت انتفاضة الخبز، كما ستسمّى لاحقاً، ذكرى عن الوقت الذي اختفى فيه والده لثلاثة أيام متتالية أثناء عمله الصحفي لوكالة أنباء الشرق الأوسط التي تديرها الحكومة، وفق تقرير لموقع middleeasteye البريطاني.
كانت "أحداث الشغب" في أعين بقية العالم رفضاً مدوياً من الشارع المصري، الذي كتب "لا" بدماء ثمانين قتيلاً، للسياسات الاقتصادية التي وافق عليها السادات وأملاها عليه صندوق النقد الدولي. كان هذا خطأ فادحاً يعتقد البعض أنه أدى لاغتياله بعد 4 سنين.
39 عاماً بعد الحدث: أصبح الطفل رجلاً، حلّ السيسي محل السادات وتواجه إدارته قرارات مصيرية أمام تهديد وضع مشابه بين الحكومة، الشعب، وصندوق النقد الدولي.
وكما كان موقف السادات من قبله، قرار السيسي محكوم بالفشل في كلتا الحالتين، سيصبح مكروهاً إذا اتبع خطاه وهالكاً إذا لم يفعل، عندما تكون الاختيارات المتاحة إما التضاؤل أو الغرق، أنت تفعل شيئاً ما بطريقة خاطئة.
لماذا يقف الاقتصاد على المحك؟
انظر بدايةً لمعدلات بطالة الشباب التي ارتفعت من 29.2 في المئة عام 1991 إلى 42 في المائة عام 2014 وترتفع بشكل متواصل طبقاً للبنك الدولي. تكفي هذه الأرقام لتنذر بقنبلة اجتماعية تقبع تحت أقدامنا.
كما أدى النمو الاقتصادي "غير المتوازن" للنسبة الرسمية الصادمة التي تفيد أن ربع المصريين يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أنهم يعيشون على 1.09 دولار أو أقل يومياً.
أضف للصورة الآن أزمة في توفر العملة الصعبة شهدت ارتفاع الدولار في مواجهة الجنيه حتى وصلت قيمة الدولار إلى 13 جنيهاً في السوق الموازية. من جهة أخرى بلغ التضخم أعلى معدلاته في السنوات السبع الماضية، بنسبه 14 في المائة. ما يجعله قاتلاً صامتاً للاقتصاد.
يستمر الدين الخارجي، الذي يستهلك مخزون مصر من العملات الأجنبية، التي انخفضت لمستوى خطر عند 15 مليار دولار بدايةً من يوليو. ارتفع الدين الخارجي في عهد السيسي من 44.8 مليار دولار في يوليو 2014 إلى 53.4 مليار دولار في يناير 2016.
الرئيس صادق هذه المرة
في منصب القيادة، يرى السيسي الخطر وقد صرح مؤخراً أن "مستقبل البلاد على المحك". كان الرئيس محقاً، هذه المرة.
منذ شهر أكتوبر 2015 علا صوت إنذارات الخطر، لكن قليلين انتبهوا لها.
الشعب لن يتحمّل
حذرت فاطمة الأسيوطي، محللة اقتصادية وباحثة مصرية: "ستنتهي الحكومة الحالية بكارثة اقتصادية".
وتوّضح "لن يتحمل الشعب ارتفاع قيمة الدولار، زيادة الدين الخارجي، البطالة، وغلاء الأسعار الغير محتمل".
بالفعل، حدث في مصر ما توقعته فاطمة الأسيوطي وتدهورت شعبية الحكومة. والآن يتم النظر إلى قرض صندوق النقد الدولي كخطوة ضرورية لتصحيح المسار لكنه، بنفس الوقت، يعكس حالة من اليأس مغايرة لتاريخ النزاع بين مصر وصندوق النقد الدولي.
وحده الانهيار المحتمل للاقتصاد المصري قد يدفع بالسيسي إلى الأذرع المفتوحة لصندوق النقد الدولي. إن صندوق النقد الدولي في النهاية كيان سياسي اقتصادي معقد، رغم تهربه من الرقابة على أنشطته بشكل مستقل، كلّف الكثير من الحكام أرصدتهم السياسية، وحياتهم السياسية بأكملها في بعض الأحيان.
مميزات وعيوب دور صندوق النقد
لكن يوجد وجهين لكل قصة، وعلينا أن نفحص كلاً من مميزات وعيوب دور صندوق النقد.
الحل؟ بديهياً، يعتبر صندوق النقد الدولي نفسه يداً مساعدة. يرى الدور الأساسي للصندوق متمثلاً في "التعاون وإعادة البناء".
امتدت عباءة صندوق النقد لخمس فترات أساسية: ما بعد الحرب العالمية الثانية، حقبة بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة، إصلاحات الديون في الثمانينات، إعادة تأسيس الأسواق الشرق أوروبية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأخيراً، العولمة الحالية.
كابوس يتنكر في صورة حلم
بخلاف رؤيته لذاته، قد يكون صندوق النقد الدولي كابوساً يتنكر في صورة حلم. كثيراً ما يحضر رجال الصندوق ببدلاتهم الغالية إلى أعتاب الدول النامية حاملين معهم سياسات نيوليبرالية.
لكن مع ممارسة الصندوق لتضييق الحزام على المشهد الاقتصادي وإعادة تشكيله، تعمل هذه السياسات على خنق الدول أكثر من تحسين أوضاعها. لكن في يأسها لتفادي الخسائر، تدخل الدول إلى لعبته مميتة وكثيراً ما ينتهي بها الأمر غارقة في ديون أكثر.
تضيّق الحبال حول أعناق الطبقات الأدنى
يبعث على التشاؤم أن هذه السياسات النيوليبرالية غالباً ما تساعد نخبة الدول المستدينة بينما تضيّق الحبال حول أعناق الطبقات الأدنى.
تشير أنا آيراس، محللة سياسة مع مركز التجارة والاقتصاد "في كثير من الحالات تكون الدولة بوضع أسوأ الآن عن وضعها السابق قبل تدفق قروض صندوق النقد الدولي".
تسعى سياسات التعديل البنيوي بصياغة صندوق النقد الدولي غالباً إلى تقليل قيمة عملة الدولة، وهو ما يحدث الآن في مصر. تهدف هذه السياسيات إلى جذب مستثمرين أجانب مع تخفيض تكلفة التصدير، ومسنوداً بخصخصة الممتلكات العامة.
يجادل البعض أنه تم اتخاذ نفس الإجراءات تحت سياسات السادات "للانفتاح" الاقتصادي في السبعينات والتي أطلقت شرارة انتفاضة الخبز ولا زال المصريون يتحملون تبعاتها حتى الآن.
في الواقع، يوضّح المحامي والشخصية السياسية البارزة خالد علي "الخصخصة مسؤولة عن تفكيك بنية مصر الصناعية." حدث معظم الضرر في عهد مبارك. لكن مبارك كان لاعباً سياسياً استراتيجياً، قام باتباع طرق لا تثير ضجة. على خلاف حكومة السيسي، ومستشاريه الاقتصاديين المستجدين ممن يبدو أنهم بحاجة لمستشارين خاصين بهم، أحدثت وستحدث أضراراً جسيمة في ضوء المخطط النيوليبرالي لصندوق النقد الدولي.
المعارضة الشعبية
لن تمثل هذه الوسائل، مع تأكيد البعض لضروريتها، خطراً مميتاً على الحكومة بقدر القنبلة السياسية لقرار رفع الدعم في دولة تبلغ معدلات الفقر الرسمية فيها 27.8 في المائة.
عندما يعيش 24 مليون شخص في الدولة تحت خط الفقر، لا يكون الدعم ترفاً مادياً بل ضرورة لتجنب الثورات. في التوقيت المتوقع تماماً، اندلعت مظاهرات الخميس الماضي، تقودها أمهات غاضبات للمطالبة بلبن الأطفال الذي يجدون صعوبة في إيجاده في المحلات، أو يجدونه بسعر مضاعف بعد رفع الدعم الذي تم ربطه باتفاق صندوق النقد المطروح.
بالإضافة إلى ندرة العملة الصعبة، تقلصت عجلة الإنتاج لحجم دراجة طفل صغير، نتيجة لفرض قيود على الاستثمارات الأجنبية.
بعد تعافي النمو الاقتصادي المصري في 2015 ليصل إلى 4.2 % سقط مجدداً إلى 3.3 هذا العالم. في ظل ترنح الاقتصاد وضخ أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات الخليجية في أحلام السيسي غير المحققة، تقع الدولة في قبضة صندوق النقد الدولي.
سيتطلب برنامج التعديل البنيوي، المشروط مع صفقة قرض بنك النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، أن ينفذ السيسي ما يطلق عليه المحللون "خفض مستوى معيشة الأفراد في الدول الفقيرة." بدون حبل إنقاذ من بنك النقد الدولي، سيغرق السيسي.
لكن معه، سيعاني المصريون من ضربة مزدوجة من ارتفاع بالغ لمعدلات التضخم، وغلاء الأسعار الشديد نتيجة إذا تمت خطة خفض قيمة العملة. لا يدرك معظم الناس أن أكثرية ملايين صندوق النقد الدولي المقترحة سيتم تخصيصها في الغالب لموازنة سوق العملة الكارثي في إجراءات لبناء ثقة جديدة مع المستثمرين.
البنك المركزي المصري متخبط
لكن من سيثق في البنك المركزي المصري المتخبط لشهور حتى الآن تحت إدارة طارق عامر؟ إذا كان قد تم وصفه من قبل أعضاء برلمانيين موالين للحكومة بأنه السبب في أزمة الدولار، كيف يكون محلاً للثقة لإدارة خفض قيمة الجنيه المصري كما يتطلب بنك النقد الدولي؟
يؤمن الكثيرون أن السيسي يستمع فقط لدائرة صغيرة من كبار رجال الأعمال. وتترك هذه الظروف أملاً ضئيلاً جداً، أن صفقة بنك النقد الدولي قد تؤدي إلى شيء غير زيادة الفقر، الدين الأجنبي، وبشكل محتمل وقوع مصر في قبضة احتلال اقتصادي مستتر.
ثنائي متفجر
يتمسك البعض بأمل أن الرقصة بين مصر وصندوق النقد الدولي لن تُغرق السفينة. مع الاعتراف بأنه قران صعب، يؤمن محمد العريان، اقتصادي بارز ورئيس مجلس التنمية العالمية الذي أنشأه أوباما، أن صفقة صندوق النقد الدولي قد تحمل ضمانات كافية.
ويناقش أن الصفقة "تدعم إجراءات مالية، نقدية، وخاصة بأسعار الصرف تهدف إلى السيطرة على اختلال التوازن المالي وتدعم تقوية برامج الرعاية الاجتماعية".
رغم ذلك، حتى التحليل الواعد للصفقة يعترف بالاتهامات التي يطرحها نقادها، أن المقدمة البنيوية لصفقة بنك النقد الدولي تدعم زيادة الفقر فضلاً عن التوازن الاقتصادي.
لا يذكر العريان، برغم حجته المنطقية، أنه بينما يركز على شبكات الأمان، لا يضع برنامج صندوق النقد في اعتباره الفساد المتفشي والذي يقوّض بشكل متكرر حتى أوفر البرامج الاجتماعية في النوايا الطيبة.
ديكتاتور ذو سجل حافل بإنفاق مليارات لا تحصى على مشروعات لتمجيد نفسه وكيان اقتصادي غربي ضخم يتمثل حلوله في "حجم واحد يقلص كل الاقتصاد" سيشقان طريقاً مختصراً لانفجار جديد.
-عمرو خليفة صحفي حر ومحلل نُشر له مؤخراً في الأهرام أونلاين، مدى مصر، العربي الجديد، وديلي نيوز إيجيبت.
هذه المادة مترجمة عن middleeasteye البريطاني لقراءة النسخة الأصلية اضغط هنا.