عربي بوست – ترجمة
"لقد واجهت ظروفاً مختلفة كالتنقل من زنزانة لأخرى، والالتقاء بمختلف أصناف البشر، ولكن هناك شيئاً واحداً ظل كما هو ولم يتغير، إنه الرائحة.. رائحة السجن".
كانت هذه كلمات عبدالرحمن الجندي، البالغ من العمر 20 عاماً، الذي أمضى 3 سنوات من عمره في السجن، وما زالت 12 أخرى في انتظاره. دخل عبدالرحمن السجن وعمره 17 عاماً وسيخرج منه في سن الـ32. هذا هو النظام الذي تعيش مصر تحت سطوته، نظام يحظر الأحلام ويغتالها، ويكبل أي صورة من صور الأمل.
عُرف عن عبدالرحمن، بجانب تفوقه الأكاديمي، أنه بطل في كرة السلة، وعلى الرغم من أن السائد في مصر أن يحصل الطلاب على دروس خصوصية في الثانوية العامة ليتمكنوا من الحصول على مجموع مرتفع، لم يأخذ عبدالرحمن أية دروس خصوصية، ومع ذلك فقد حصل على مجموع 99.7% في الثانوية العامة، مما أتاح له فرصة الحصول على منحة دراسية كاملة لدراسة الهندسة في الجامعة الألمانية بالقاهرة (وهي واحدة من أرقى الجامعات الخاصة في مصر)، وكان يخطط لاستكمال ما تبقى من دراسته في ألمانيا من خلال منحة كانت ستُقدم له بسبب تفوقه في لعبة كرة السلة.
ولكن أن تعيش في مصر، وتحت حكم رئيس مثل السيسي، فهذا يعني أنه ليس هناك مستقبل سواء لعبدالرحمن أو للشباب الآخرين أمثاله.
بعد أشهر قليلة من الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، أراد عبدالرحمن توثيق بعض الاحتجاجات، ولا سيما بعد مقتل والد صديقه خلال مجزرة فض رابعة في أغسطس/آب 2013.
لذلك، وفي يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2013، ألح عبدالرحمن على والده كي يصطحبه ليشاهد إحدى الوقفات الاحتجاجية التي أُقيمت في ميدان رمسيس، ومع اقترابهما من مكان الحدث، ورغم أنهما لم يغادرا السيارة التي كانا يستقلانها، ألقى أحد أفراد قوات مكافحة الشغب التابعة لنظام السيسي القبض عليهما واصطحبهما لقسم الشرطة بعد افتراضه، بعقليته المريضة، أن لحية والد عبدالرحمن القصيرة تعني ضمنياً أنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
على الرغم من الوعود بالإفراج عنهما بعد فترة قصيرة من القبض عليهما، لم يُفرج عن عبدالرحمن ووالده حتى الآن. وبدلاً من ذلك، فقد تم نقلهما لقسم شرطة آخر، وتم تمديد فترة التحقيق الخاصة بهما إلى أن أتت، في نهاية المطاف، اللحظة التي أدانت فيها المحكمة عبدالرحمن ووالده في 16 قضية بتهم تضمنت القتل العمد والشروع في القتل وتعكير السلم العام في يوم عطلة قومي. حُكم على عبدالرحمن ووالده، فيما بعد، بالسجن لمدة 15 عاماً.
ينبغي علينا الإشارة هنا إلى عبدالرحمن كان يبلغ 17 عاماً عندما حُكم عليه بالسجن 15 عاماً، وهذا إجراء مخالف للقانون؛ إذ كان يجب أن يُحاكم بصفته شخصاً قاصراً.
ورغم فصله من الجامعة الألمانية بسبب تغيبه عن الدراسة، فإن هذا لم يُثنِ عبدالرحمن عن تحقيق حلمه؛ إذ تمكن عبدالرحمن من التسجيل في جامعة عين شمس لدراسة الهندسة (وهي إحدى الجامعات الحكومية التي تتيح للمساجين التسجيل للدراسة بها والخضوع للاختبارات في نهاية العام شأنهم في ذلك شأن جميع الطلاب الآخرين المنتظمين في الدراسة). تخصص عبدالرحمن في الهندسة الميكانيكية وهو يبدأ الآن عامه الثالث بالكلية.
بالنسبة لبعض القراء، قد تبدو قصة عبدالرحمن ضرباً من ضروب الخيال أو قصة مبالغاً فيها أو قصة لا يمكن أن تُصدق على الإطلاق، ولكن قصة عبدالرحمن ليست الوحيدة في هذا الصدد، فهناك أكثر من 41 ألف شخص مسجونون داخل سجون السيسي.
وفيما يلي بعض الأمثلة على تلك القصص:
أيمن علي موسى، طالب الهندسة بالجامعة البريطانية في القاهرة، الذي حُكم عليه بـ15 عاماً بتهمة التظاهر.
عمر محمد، ذو الـ23 ربيعاً، الذي قُبض عليه داخل أحد المطاعم بالقاهرة، ثم اُقتيدَ لمقر المخابرات الحربية، حيث عُذب هناك، ثم حُكم عليه بالسجن مدى الحياة. ولا أحد يعلم حتى الآن، بمن في ذلك بعض ضباط المخابرات والنيابة العسكرية، السبب وراء هذا الحكم.
أطفال الشوارع، وهم مجموعة مكونة من 6 شباب يقومون بتسجيل بعض مقاطع الفيديو الساخرة عن الأوضاع السياسية والاجتماعية بواسطة الكاميرا الأمامية الخاصة بهواتفهم المحمولة، وما زال 4 منهم في السجون لأكثر من شهرين رهن التحقيقات الجارية.
مالك عدلي، المحامي الحقوقي الذي حُبس انفرادياً لمدة تزيد على الـ3 أشهر، وذلك عندما حاول الدفاع عن أرضه بعد أن قام السيسي ببيع جزيرتَي تيران وصنافير، المصريتين، للسعودية، والقائمة تطول وتطول.
"ليس الشباب هم من يستحقون أن يكونوا بداخل السجون، وإنما الديكتاتور، القاتل، هو مَن يستحق أن يقضي بقية حياته داخل زنزانة".
في عالم موازٍ، فإن عبدالرحمن الجندي كاد يقترب من التخرج من برنامج الهندسة في ألمانيا، في عالم موازٍ، كان لأبيه أن يكون في مكانه الطبيعي كعائلٍ لأسرته، قائماً على توسيع شركته التي أغلقت أبوابها بعد أن حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً.
في عالم موازٍ، فإن أشخاصاً مثل أيمن موسى وعمر محمد ومالك عدلي وآخرين غيرهم كانوا سيمضون قُدماً في حياتهم الطبيعية، ولكن الرئيس السيسي فضل أن تكون مهمته الأولى هي تدمير حياة الشباب.
وقد قال الرئيس السيسي سابقاً إنه يمتلك خطة واعدة من أجل مستقبل أفضل، وتبين لاحقاً أن هذا المستقبل الواعد هو "زنزانة مكونة من أربعة جدران داخل السجن".
إذن، لماذا الشباب دائماً هم من كُتبت عليهم المعاناة؟ ما الذي ارتكبوه وجعل السيسي خائفاً منهم إلى هذا الحد؟ هل هو تعبيرهم عن آرائهم؟ أم أحلامهم المتمثلة في بلدٍ يُحترم فيه الإنسان؟ يا لها حقاً من جريمة!
ليس الشباب هم من يستحقون المعاناة، وإنما الطغاة والقتلة والخونة هم من يستحقون ذلك.
– هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأميركية لـThe Huffington Post
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.