“بوركيني” فرنسا يكشف “البركان” الذي يعيشه الغرب!

أعاد قرار حظر بلديات في جنوب شرق فرنسا ارتداء لباس البحر المحتشم المعروف باسم "البوركيني" الحديث عن الحرب على الإسلام. إلا أن قرار مجلس الدولة الفرنسي بتعليق الحظر، وسماح بريطانيا وكندا للنساء المسلمات الملتحقات بسلك الشرطة بارتداء الحجاب أعاد خلط الأوراق من جديد! فكيف يمكننا فهم تعامل الغرب مع المسلمين؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/06 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/06 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش

أعاد قرار حظر بلديات في جنوب شرق فرنسا ارتداء لباس البحر المحتشم المعروف باسم "البوركيني" الحديث عن الحرب على الإسلام. إلا أن قرار مجلس الدولة الفرنسي بتعليق الحظر، وسماح بريطانيا وكندا للنساء المسلمات الملتحقات بسلك الشرطة بارتداء الحجاب أعاد خلط الأوراق من جديد! فكيف يمكننا فهم تعامل الغرب مع المسلمين؟

1- النهضة الأوروبية بين العرق اللاتيني والأنجلوساكسوني.

منذ أن بدأت النهضة الأوروبية كان العرق اللاتيني هو الذي يقود أوروبا فكرياً وسياسياً وعسكرياً، كانت إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال لاحقاً هي رأس الحربة في المشروع الأوروبي، إن صح التعبير.

ثم حدث انتقال مهم يتواكب مع انتقال أوروبا من الجمود إلى الحركة، (مع أفكار ديكارت في الشك) وهو انتقال القيادة الفكرية الأوروبية من الجنوب (حيث العرق اللاتيني) إلى الشمال (حيث العرق الأنجلوساكسوني).

بدأت القيادة السياسية لأوروبا تتجه تدريجياً نحو الشمال؛ حيث:

ألمانيا التي شهدت الثورة الإصلاحية للراهب مارتن لوثر.
هولندا التي صارت باباً مفتوحاً لكل صاحب رأي يريد طباعته ونشره، وتضيق عليه فرنسا المتعصبة أو إيطاليا التي قتلت كوبرنيكوس واضطهدت جاليليو.
بريطانيا التي تبنت البروتستانت المضطهدين في فرنسا، وخاصة تحت حكم لويس الرابع عشر الذي قال كلمته المشهورة L'etat, C'est moi (أنا الدولة والدولة أنا)، وقاموا بثورة عاقلة تحولت بعدها بريطانيا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية رسمياً.
ومن ثم أميركا التي تعتبر امتداداً بروتستانتياً لإنجلترا ووريثتها في القيادة السياسية للغرب.
(للمزيد يمكن مراجعة كتاب: أزمة الضمير الأوروبي للكاتب الفرنسي بول هازار، عضو الأكاديمية الفرنسية الأسبق).

2- الغرب تعلم من أخطائه الاستعمارية:

ومع استقرار العرق الأنجلوساكسوني على قيادة الغرب، وبمرور الوقت، فقد تعلم الغرب من أخطائه في جميع المحاولات التاريخية التي حاولت احتلال هذه المنطقة بالقوة العسكرية؛ مثلما فعل الصليبيون ومن بعدهم التتار، وأيقن الغرب أن أكبر خطأ ارتكبه الغزاة السابقون كان الشروع في عمليات غزو صريح علني فج، يستهدف دين هذه الأمة وإسلامها.

كان الغرب دائماً إذا خُيّر بين السيطرة على المنطقة بالوكالة عبر حكام مستبدين، أو عبر الاحتلال المباشر، فإنهم يختارون السيطرة بالوكالة ما أمكن ذلك؛ لأنها أقل تكلفة، ولأنها لا تظهر الأميركان في صورة المحتلين الغزاة. أما في الحالات التي يتعذر فيها ذلك فإنهم يعمدون إلى الاحتلال العسكري المباشر مضطرين (لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة كتاب: اعترافات قاتل اقتصادي، أو مشاهدة فيديو مع مؤلف الكتاب من هنا).

3- الليبرالية الأوروبية العابرة للقوميات مهددة بالموت:

الآن، ومع موت الليبرالية الحديثة كما قالت صحيفة الغارديان، ومع التخوف من خطورة القيم التي ترفعها أوروبا، والتأفف من السياسة الباردة البطيئة المتدرجة، فقد نشأ تيار عريض في الغرب يرى أن ما يحدث هو نفاق غير مقبول، وأن الاستمرار في رفع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ذاتها سيعرض الغرب لمخاطر محدقة، تبدأ بمخاطر تغير الهوية ولا تنتهي بأزمات الاقتصاد، مروراً بالتغيير الديموغرافي ومخاطر الإرهاب!

فصنم الديمقراطية الذي أراد الغرب لشعوب هذه المنطقة أن يؤمنوا به وحده، ويتخذونه بديلاً عن دينهم الحنيف، وأن يطوفوا حوله عرايا من أي ضوابط أو قيم، قد كسرته شعوب هذه المنطقة، بإعلانهم دائماً أنهم مع الديمقراطية التي تزيح الاستبداد، دون أن تتعدى ذلك لهدم ثوابت الشرع والدين!

4- ترميم صنم الديمقراطية أم هدمه؟

وعليه؛ فهناك وجهتا نظر تصطدمان في الغرب الآن:

وجهة نظر تدعو إلى "ترميم" صنم الديمقراطية الذي أنشأه الغرب:
ويكون ذلك بشكل رئيسي بالتفريق بين السياسة التي يتبعها الغرب مع المسلمين في بلاد المسلمين، وبين سياسته التي يتبعها مع الأقليات المسلمة داخل الغرب نفسه!

فلا مشكلة لدى هؤلاء في حصار العراق أو حتى احتلاله، فيمكن تبرير ذلك بالقليل من الأكاذيب والكثير من وسائل الإعلام، نفس الأمر ينطبق على المحرقة السورية وقضية فلسطين والانقلابات العسكرية في المنطقة… إلخ.

لكن هذا التيار يؤكد ضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي للبلدان الغربية نفسها، فليس من مصلحة الغرب أن تحدث فتنة بين المسلمين والمسيحيين، أو بين الكاثوليك والبروتستانت… إلخ.

وعليه فقد عمدت دول معروفة بتاريخها الاستعماري كبريطانيا إلى اتخاذ إجراءات تسهم في تدعيم السلم الاجتماعي، بالسماح للنساء المسلمات بارتداء الحجاب، وإشراكهن في سلك الشرطة، كجزء من العلاج في مواجهة ما يسمونه "التطرف الإسلامي".

وفي بريطانيا أيضاً رأينا الأخت تريز النووية التي لا تمانع من شن هجمات نووية يروح ضحيتها مئات الآلاف تعطي الإخوان في المملكة المتحدة حق اللجوء السياسي إليها!

ولا عجب أن تأتي هذه التصرفات الاحتوائية (مثل قرارات بريطانيا وكندا) من العرق الأنجلوساكسوني! حتى ترامب في أميركا، الذي يمثل وجهة النظر المتشددة للغاية، والمخالفة لفكرة ترميم صنم الديمقراطية، فقد قوبل برفض شديد حتى من داخل حزبه، حتى اضطر للتراجع عن بعض تصريحاته.

وأعتقد أن العرق الأنجلوساكسوني لا يزال يفضل سياسة ترميم صنم الديمقراطية؛ لأن هدمه سيجعل الغرب يفقد كثيراً من الأحزاب والحركات والتيارات والعقول الليبرالية التي تأتي إلى هذا الصنم حاجّة ومعتمرة، وتبشر به في كتاباتها ومقالاتها ونظرياتها السياسية!

وجهة نظر تدعو إلى "هدم" صنم الديمقراطية الذي أنشأه الغرب:
ووجهة نظر هؤلاء أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان شعارات تأتي في المرتبة الثانية للمصالح الاقتصادية، وإذا تعارضت مع المصالح فيجب دهسها دون خجل! وعليه، فيرى هؤلاء وجوب إغلاق الأبواب أمام اللاجئين، دون تملق تركيا كي تستقبلهم، وأن يمنع أي رمز إسلامي ولو كانت امرأة تريد ألا تتعرى على شاطئ البحر في جنوب فرنسا.

ولا عجب أن وجهة النظر هذه تأتي في الأساس من العرق اللاتيني، المصطدم بطبعه، الذي انتشرت منه حمى التطرف إلى باقي القارة الأوروبية، فاليمين متربص في فرنسا، ورئيس الوزراء الفرنسي ذو الأصول الإسبانية مانويل فالس ذو التوجه اليساري يؤيد الحظر مزايداً على اليمين وعينه على الانتخابات القادمة، والنمسا كانت على موعد مع حكم اليمين المتطرف لولا فارق 1% فقط (فاز بـ49% من الأصوات)، وحتى سويسرا المسالمة تحظر ارتداء النقاب تماماً وبشكل نهائي!

5- توجه جديد في الغرب تجاه المسلمين

يبدو أن استراتيجية الغرب مع العالم الإسلامي بدأت تختلف! لم يعد هناك إسلاميون معتدلون، وآخرون متشددون، من وجهة نظر الغرب، بل صار التصنيف: من معنا ومن ضدنا، وهو ما أشار إليه بوش (الابن) أيضاً في قوله: من ليس معنا فهو علينا!

حتى النماذج التي كانت تدعمها أميركا وتقدمها للمسلمين على أنها نماذج يحتذى بها، ومنها تجربة العدالة والتنمية في تركيا، فقد انقلب الغرب عليها بشكل فج، دون خجل أو مواربة، رغم الاعتراف المبدئي بإسرائيل، وهو الفيصل الذي كان الغرب يقسم الإسلاميين عليه إلى معتدلين ومتشددين!

لقد ظهر الغرب في انقلاب تركيا بوجهه الحقيقي، الذي لا يخجل من الظهور بدور المهزوم عند فشل الانقلاب، بل والمستاء من فشله!

ولعل هذا ليس ارتباكاً أو زلة لسان من القادة الغربيين، بل ربما هو توجه جديد في اللعب على المكشوف مع شعوب هذه المنطقة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد